مكاوى سعيد
السنيورة والبرنس والبدايات (1)
السنيورة «ماجى ميلر» التى تزوجت البرنس والمليونير «على كامل فهمى» تشابهت معه فى أن كلاً منهما نسج أساطير حول أصله الأرستقراطى، فـ«على كامل فهمى» كما أسلفنا هو الابن الوحيد للمهندس العصامى المصرى «على فهمى باشا»، الذى بعمله الشاق وجهده استطاع امتلاك هذه الفدادين والأطيان الشاسعة التى ورث بعضها الابن من بعده، أما لقب البرنس الوهمى فادعاه عندما تحايل كى يُوظَّف فى السفارة الفرنسية بالقاهرة مترجما- لم يتقاضَ عنه مرتبا ولا مارسه مطلقا- وادَّعى فى الأوساط الأوروبية أنه دبلوماسى فى السفارة الفرنسية، واستغل زيارة «السلطان فؤاد» إلى الصعيد فى فبراير 1921، ليلتمس منه زيارة مسقط رأسه بالمنيا- كى يضع بيده الكريمة حجر الأساس للمستشفى والمسجد اللذين بناهما- ولما وافق السلطان شق شارعا واسعا من شاطئ النيل عند مغاغة- حيث رست الباخرة التى تُقل السلطان- إلى مكان الاحتفال فى بلدته «آبا الوقف»، ونصب على جانبيه الأعمدة، التى رفع عليها الأعلام، وأقام أقواس النصر، ونصب سرادقا ضخما، أُقيمت فيه خطب الترحيب، وبسبب ذلك منحه السلطان رتبة البكوية من الدرجة الأولى، فأصبح يُعرف باسم «البرنس على بك كامل فهمى».
أما «ماجى» فهى الابنة الوسطى لسائق سيارة فرنسى، من خمسة أبناء، قُتل منهم شقيقان فى أثناء الحرب العالمية الأولى، وتلتهما شقيقتها «إيفون» فى عام 1927، أما أصغر الأشقاء فقد دهمته- وهو فى الرابعة من عمره- سيارة كانت تعبر الطريق فجأة- بينما كان يجرى خلف كرة قذفتها له «ماجى» أمام منزلهم المتواضع فى إحدى القرى الفرنسية القريبة من «بوردو» فى جنوب فرنسا. وهذه أول جريمة قتل- غير مقصود- ترتكبها، وكانت آنذاك فى التاسعة من عمرها، وانقلبت عواطف الأسرة الساخنة التى كانوا يغدقونها عليها إلى برودة وقلة اهتمام وضيق من كل كلمة تقولها أو تصرف تقوم به، وبلغت بهم القسوة بإصرارهم على تذكيرها- بمناسبة ومن دون مناسبة- بأنها قتلت شقيقها، فازداد إحساسها بالذنب، وكان ذلك وراء نوبات الصداع النصفى الذى أخذ يهاجمها منذ ذلك الوقت المبكر من عمرها، كما كان وراء الأفكار الدينية الغريبة التى تسلطت عليها، وجعلتها تتوهم واقعة ذكرتها فى مذكراتها التى نُشرت فيما بعد، أنها كانت تلعب فى أرجوحتها قبل أن تُتم عامها الأول، حين ظهر أمامها شبح من الجن، انحنى على أرجوحتها وغمرها بحنانه ورغّب إليها أن تُربَّى فى الدير.
وقد ألحقها أهلها بمدرسة ملحقة بأحد الأديرة حتى تكفيهم مؤونتها لفقرهم الشديد.. وأمضت «ماجى» سبع سنوات فى تلك المدرسة الملحقة بالدير الكاثوليكى، تُكفر عن جريمة القتل التى كانت قد اقتنعت- من فرط تكرار الأسرة للاتهام- بأنها قد ارتكبتها فعلا، فأغرقت نفسها فى الصلاة والعبادة، وانعزلت بين جدران الدير لا تغادره إلا لتذهب إلى القداس فى الكنيسة الملحقة، حيث تجد متعتها فى الإنشاد بصوت رخيم يجذب مسامع زميلاتها، وشاع الظن فى الأسرة أنها سوف تترهبن وتقضى بقية عمرها فى الدير.
وفى عام 1906، الذى كان يوافق بلوغ البرنس «على كامل فهمى» سن السادسة من العمر من عمره القصير، ووصول «ماجى ميلر» سن السادسة عشرة من عمرها المديد، غادرت «ماجى» مدرسة الدير لتقضى إحدى إجازاتها الدراسية مع أسرتها، فوجدت حال الأسرة قد تحسن قليلا، إذ ترك والدها عمله كسائق ليعمل كاتبا بمكتب أحد المحامين، وتقدمت أمها فى مهنة حياكة الملابس، وفى تلك الفترة القصيرة- وكانت فى أوج مراهقتها وقد ظهرت عليها ملامح الأنوثة الطاغية- أدركت «ماجى» أن أسرتها من النوع الذى يشغله فقره عن الاهتمام بالأخلاق! وكانت هناك قريبة للأسرة تزورهم فى تلك الأثناء تُدعى «مدام لانجلوا» تعمل فى مجال الترفيه! سرعان ما أثارها جمال العذراء القادمة من الدير دون أن تفك شعرها المضفور فى جديلتين طويلتين.. فطلبت منها خلسة أن تزورها فى بيتها بباريس، وهناك غرقت «ماجى» فى الأصباغ والألوان والكريمات والزيوت، ولم تعد بعدها إلى منزل الأسرة ولا إلى مدرسة الدير.