سهير جودة
متى تدق ساعة العمل فى مجتمعنا؟
الحدث والحادث والحديث الذى اجتمع على مشاهدته الوطن العربى وتعامل معه كما لو كان يشاهد فيلماً من هوليوود كان الاحتفال بتنصيب ترامب، وانطلقت التعبيرات والتعليقات الساخنة وأُبرزت اللقطات الأكثر سخونة بينما هذا المشهد جدير بأن يتم التعامل معه وقراءته بجدية لعلنا ندرك ونتعلم الدلالات التى تترجم هذا المشهد، ولكننا كالعادة نكتفى بدور النقاد والساخرين ويهمنا الأزياء والنظرات بعيداً عن المضمون، فنحن كلنا أمام مراسم وطقوس وأدبيات تُحترم وتتم بانتظام فى الولايات المتحدة على مدى أكثر من ٢٠٠ سنة، وهذا معنى مهم لدولة كبيرة وليس مجرد طقس شكلى، ومعنى مهم لفكرة القوة والاستقرار ولفكرة الدولة الراسخة ذاتها رغم أن أمريكا دولة حديثة.
هذا احتفال بتنصيب الرئيس رقم ٤٥ فى حضور أربعة من الرؤساء السابقين.. كارتر وبوش الابن وكلينتون وأوباما وفى ديباجة كلمته توجه لهم ترامب جميعاً بالخطاب إلى جانب رئيس القضاة والشعب الأمريكى وشعوب العالم، وهذا شىء له دلالة أخرى على معنى الديمقراطية ومعنى تداول السلطة، بل وحضرت أيضاً المنافسة الخاسرة هيلارى كلينتون، وهذا معنى آخر يقول إن المعارك السياسية مهما كانت حدتها فهى يجب أن تصب فى مصلحة الدولة وفقاً لرغبة الشعب الذى قرر النتيجة، وأنها ليست حرب إسقاط نظام وليست حرباً أهلية بين قبائل سياسية همجية، العالم كله شاهد الرئيس المنتهية ولايته وزوجته وهما يقفان فى انتظار موكب الرئيس المنتخب وكيف استقبلاه هو وزوجته السيدة الأولى الجديدة وهذا شىء يؤكد أن التحضر ليس مجرد كلمة، أما مضمون الخطاب الذى ألقاه ترامب للشعب الأمريكى وللعالم فهناك نقاط على جانب كبير جداً فى أهميته ويسترعى الانتباه أولاً أنه يبدأ ولايته باعتراف صريح أن أمريكا التى يتولى رئاستها ليست هى أمريكا التى ظلت حتى ذلك اليوم متمسكة بأنها القوة الأكبر والأوحد فى العالم، فهو يكاد يعلن إن جاز التعبير أن الإمبراطورية الأمريكية مأزومة، لقد تحدث عن تحديات وصعوبات وأكد أنه سيجعل أمريكا قوية مرة أخرى، بما يعنى أنها الآن ليست قوية وثرية مرة أخرى وقال إنه سيعيد لها عظمتها بما يعنى أنها الآن ليست فى هذه الحالة، تحدث ترامب عن أمور -والتشبيه مع الفارق- تعانى منها دول العالم الثالث، فقد قال إن مجموعة صغيرة فى المجتمع الأمريكى قد حصدت المكاسب بينما الشعب الأمريكى تحمل التكلفة، تحدث أيضاً عن مصانع مغلقة وأعمال متوقفة وعن الفرق بين واشنطن العاصمة المزدهرة وبين ولايات أخرى ليست كذلك، ومعنى هذا بالنسبة لنا أنه بصرف النظر عن الحجم والتأثير إلا أنه من الممكن أن تكون أقوى دولة فى العالم تعانى ما تعانيه أفقر الدول، مع فارق النسبة والنوعية، ولكن هذا لن يعوق أن تكون هناك إرادة لعمل ثورة على هذه الأشياء وإصلاحها وتغييرها، وتحدث عن أمر مهم إذا تم فسيكون تغييراً استراتيجياً كبيراً فى سياسة الإمبراطورية الأمريكية ونسف نظرية السيف والذهب، حيث تحدث أن أمريكا يجب أن تنهى مرحلة التدخلات الخارجية بالقوة العسكرية أو بغيرها فى دول العالم، وأنها ستتوقف عن الدفاع عن حدود غيرها، وكل هذه الأمور متعلقة بأن سياسة السيف الأمريكية سوف تتغير، أما سياسة الذهب فقد أعلن أنهم جعلوا من دول أخرى تثرى على حساب أمريكا، التى أنفقت تريليونات بينما البنية التحتية فى تدهور، وتحدث عن ثروة الطبقة المتوسطة فى أمريكا التى اُنتزعت وأعيد توزيعها على العالم كله، وتحدث ترامب عن أمر آخر له دلالة مهمة وهو أن أمريكا ستهتم بأمنها وحدودها، سترفع شعار أمريكا أولاً وهذا يتضمن إغلاق باب الهجرة المفتوحة على مصراعيها وأبواب الجنسية الأمريكية التى يمكن أن تمنح لأى شخص فى العالم، لدرجة أنه دعا الشعب الأمريكى إلى تطبيق قاعدتين فى غاية البساطة، حيث دعا إلى شراء المنتجات الأمريكية وتوظيف المواطنين الأمريكان، ودعا ترامب الشعب الأمريكى إلى التوحد وهذه الدعوة يمكن أن نسمعها من دولة مأزومة كأغلب الدول فى المنطقة العربية، وقال نصاً لقد انتهى وقت الكلام الفارغ ودقت ساعة العمل.
فمتى نرفع ونطبق هذا الشعار وننتهى من التفاهات وعديمى الكفاءات وأصحاب العنجهية والتسلط والجهل ونعلن دقت ساعة العمل؟