الجمهورية
على هاشم
مَنْ يتحمل أوزار ما بعد 25 يناير..!
هل آن الأوان لكتابة قصة ثورة 25 يناير التي يراها البعض ثورة مكتملة الأركان. ويراها آخرون ـ ومنهم مثلا الفنان حسين فهمي ـ مجرد مؤامرة حيكت في ليل ومنذ فترة طويلة. رغم صدق من شاركوا فيها ونزلوا للميادين. وفي القلب منها ميدان التحرير طلبًا لواقع أفضل ومستقبل أكثر حرية.. وهناك من نزل للتخريب وإحداث فوضي وتنفيذ أجندات خارجية وضحت معالمها أكثر بعد صعود جماعة الإخوان إلي الحكم. وما عقدوه من صفقات. وما أعدوه من ترتيبات لإنجاح المشروع الصهيوأمريكي الذي بشرت به كوندوليزا رايس. وسهر أوباما علي تنفيذه علي أنقاض دول الربيع العربي والذي أوقفته ثورة 30 يونيو لتنقذ مصر وما حولها من هذا المخطط الأثيم.
والسؤال متي يكتب تاريخ هذه الأيام منذ اندلعت ثورة 25يناير التي حلت ذكراها السادسة بالأمس.. متي نرصد بالحقائق والأرقام كيف كانت مصر وإلامَ صارت.. ماذا كان يراد بها ويحاك ويدبر لها.. وكيف أصبحت.. وماذا لو لم تندلع ثورة 30 يونيو.. هل كنا سنجد في مصر دولة أم احترابًا أهليًا وصراعًا دمويًا كالذي تعيشه دول الجوار التي دمرتها الفتن وعصفت الخلافات والتناحرات بأهلها ؟! لماذا بدأت ثورة يناير نقية بشباب طاهر قدم للعالم نموذجًا مثاليًا في الاحتجاج السلمي في الثمانية عشر يومًا الأولي من عمر ثورة يناير ثم انقلب ربيعها خريفًا.. مَنْ خطف الثورة ومَنْ ركبها.. من سرقها وفرغها من مضمونها ومن قفز علي الثوار.. كيف صعد علي أنقاضها الإسلام السياسي المدعوم أمريكيًا وتركيًا وقطريًا.. بِمَ وُعِد الأمريكان.. وبمَ استفاد الأتراك ونظام قطر.. وما مصير هذا الحلف المشئوم بعد صعود ترامب إلي سدة البيت الأبيض.. هل سيكمل خطايا سلفه أم سيصحح المسار الأمريكي في المنطقة.. ومن يتحمل أوزار وخطايا السنوات الست الماضية.. مَنْ يتحمل الخسارة الاقتصادية الهائلة.. ومن يدفع فاتورة التدهور الاقتصادي.. ومن يتحمل مسئولية الدماء التي أسالها الإرهاب ولا يزال جيشنا العظيم وشرطتنا الباسلة تقدم الشهداء قربانًا لاستقرار هذا الوطن وحمايته من غول الإرهاب.. من يتحمل أوزار الانقسام والاحتقان الذي تجرع المصريون ولا يزالون مراراته وآثامه.. من هوَّل من حجم الإخوان في الشارع وضخَّم وزنهم السياسي.. ومن استسلم لهذا الوهم حتي تسلموا حكم البلاد وكرسوا ¢ الأخونة ¢ في المناصب والوظائف بهدف الهيمنة الكاملة والإقصاء التام لغيرهم حتي ولو كانوا رفاقًا في فصيل الإسلام السياسي كما حدث مع حزب النور الذي انتفض رئيسه عبد العزيز مخيون رافضًا زرع نحو 13 ألف إخواني في وظائف حكومية خلال عام واحد وحرمان غيرهم منها. حتي خرج الشعب غاضبًا منتفضًا ضد حكم مرسي وجماعته في 30 يونيو.
نريد إجابة عن أسئلة تاريخية: لماذا تخلت النخبة والأحزاب عن دورها في الصمود وتوعية الشعب والأخذ بيديه نحو الأهداف الوطنية الكبري كما كان يفعل حزب الوفد ¢ التاريخي ¢ أيام سعد زغلول ورفاقه أو حزب الدستوريين الأحرار أو الحزب الوطني أيام قيادته التاريخية مصطفي كامل وخلفه محمد فريد اللذين أسهما في تحرير الوعي وتخليص الوطن من الاستعمار.. نريد إجابات شافية تقول لنا بوضوح: لماذا زادت الاحتقانات الطائفية غداة تسلم المجلس العسكري إدارة شئون البلاد.. لماذا زاد السعار الطائفي ووقعت الحادثة تلو الأخري.. مَنْ دفع الأمور لحافة الاحتقان والغضب اللذين وصلا حد الاستقطاب الحاد والانقسام بين أفراد المجتمع وربما حتي بين أفراد الأسرة الواحدة أيام حكم الإخوان.. مَن سعي لتفريغ مؤسسات الدولة تمهيدًا لهدمها وإقامة مليشياته وتنظيماته مكانها.. كيف جري الصدام مع القضاء وحصاره. والتشكيك في نزاهة أحكامه. ومحاولة إخضاعه وتركيعه.. لماذا جري خداع البعض بممارسات إعلامية هوَّلت حجم الإخوان في الشارع.. ومَنْ صكَّ شعار ¢ يسقط حكم العسكر ¢ بهدف هدم المؤسسة العسكرية وتغيير توجهاتها وعقيدتها.. لماذا جئ بحكومات ضعيفة بعد الثورة بلا رؤية ولا قدرة علي تقديم حلول حقيقية لمشكلات مزمنة ومستجدة تفاقمت كلها حتي باتت عصيّة علي الحل.
تقديم إجابات لهذه الأسئلة يضعنا في مواجهة حقائق لا يصح تجاهلها أو نسيانها. وفي مقدمتها بالطبع ضرورة الحفاظ علي الدولة. كأولوية قصوي لا ينبغي التفريط فيها أو التهاون مع دعاة هدمها.. وهو ما يرفضه ملايين المصريين الذين خرجوا في 30 يونيو للحفاظ عليها..وقد أكد الرئيس السيسي مرارًا وتكرارًا حرصه البالغ علي تقوية مؤسسات والدولة والحفاظ عليها. فمن دون دولة ندفع الثمن باهظًا. ثمن الانفلات والفوضي وهدم المؤسسات وضياع هيبة القانون وسيادته.
وللثورة ـ كما قال الرئيس السيسي في حديثه للصحف القوميةـ مكاسب وتحديات. ولا بد أن نقبل الاثنتين معًا. والرئيس يقصد بالمكاسب هنا أن رئيس الجمهورية ـ أي رئيس ـ لا يمكنه البقاء في الحكم يومًا واحدًا بعد انتهاء مدته الدستورية.
لقد اهتز المجتمع المصري هزات عنيفة بعد ثورة يناير. هزات زالزالية ضربت منظومة القيم والأخلاق التي يحاول الرئيس السيسي إعادتها نقية للمجتمع.. فإنما الأمم الأخلاق ما بقيت.. فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا. لقد علت. ولا تزال. لغة السباب في الشارع وعلي شاشات الفضائيات وصفحات الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي وفي الفضاء العام. وجري التشكيك والتطاول علي كل شيء وأي شيء بزعم التغيير والثورة علي الفساد.. تغيرت مفاهيم وتهاوت قيم اجتماعية تحت سنابك الثورة . وتعرض المجتمع لمحنة أخلاق وانعدام ثقة بدأ بنهش الرموز ومحاولات هدم الدولة وافتعال معارك حول الهوية. وكأن مصر التي علمت الدنيا كلها منذ فجر التاريخ مبادئ الحضارة والمدنية بلا هوية حتي بدا أن الهدف من إشعال الثورة هو هدم مؤسسات الدولة من جيش وقضاء وإعلام لإحلال نظام جديد علي أنقاضها. نظام يشبه في تكوينه وأهدافه الحرس الثوري الإيراني الذي كان نموذجًا يراود قادة الجماعة الإرهابية. ومحط أنظارهم حتي يكون لهم جيشهم أو ميليشياتهم الخاصة وأركان حكمهم. فالوطن عندهم ليس إلا حفنة تراب عفنة بلا هوية. وأن تنظيمهم هو وطنهم الممتد بلا نهاية ولا حدود جغرافية.
ومن ثم جاء الحفاظ علي الدولة علي رأس أولويات 30 يونيو وبات الإصلاح التدريجي ضرورة حتي لا تنهار مقومات تلك الدولة في خضم ظروف إقليمية ودولية مضطربة . فكل الدول التي تفككت مؤسساتها لم تقم لها قائمة. وكأن المقصود من هذا التفكيك في دولة مثل سوريا أوليبيا أوالعراق هو إشاعة الفوضي الخلاقة علي طريقة كوندوليزا رايس التي بشرت بهذه النزعة في سياق حديثها عن شرق أوسط جديد.
ما قاله الرئيس الأمريكي الجديد ترامب يدعو للتفاؤل الحذر فهو يرفض التدخل في الشئون الداخلية للدول خلافًا لسلفه أوباما الذي تسببت سياسياته الخرقاء في الإساءة لصورة أمريكا في العالم ناهيك عما تسبب فيه من حروب ودمار في الدول العربية.. أما ترامب فهو يهتم بمصلحة أمريكا أولاً. وإصلاح بنيتها الأساسية التي يراها مهترئة ويدعو لتحسين أحوال المواطن الأمريكي وأفلح إن صدق.
لقد تراجعت القوة الناعمة لمصر في السنوات الست الأخيرة حين تسابقت النخبة لنفاق الثوار أو من كانوا يدَّعون أنهم ثوار. وانكشفت حقيقتهم بعد إذاعة التسريبات. فلم يكن لديهم رؤية واضحة للبناء بل كان أقصي طموحهم الحصول علي مكاسب ليس من بينها مصالح الوطن ولا مصالح المواطنين الذين تاجر نشطاء السبوبة بأحلامهم وأشواقهم إلي التغيير. وقد أثبتت الأحداث مقدار ما يعانون من عجز وفشل وآفات لم يسلم منها كثير من نخبتنا التي سبقتهم الجماهير بوعيها الفطري. فلم نجد للأحزاب التي جاوز عددها الثمانين أي مشروع مجتمعي يعيدها للشارع ولا قدمت رؤية اقتصادية للخروج من أزماتنا. ولا تزال تلك الأحزاب حتي هذه اللحظة تحارب معركة غير التي خلقت لأجلها. ولو أنها أنفقت مالها ووقتها في النزول للشارع والإسهام في حل مشكلاته لكان خيراً لها من الظهور علي الشاشات والصحف.
حكومات ما بعد الثورة دون استثناء تراجعت عن تطبيق القانون علي الجميع بلا استثناء. وتباطأت في معالجة مشكلات المواطنين وهمومهم حتي وصلن إلي أوضاع اقتصادية غير مسبوقة. بعد تعويم الجنيه الذي تجرع مرارته السواد الأعظم من هذا الشعب الذي لم يعد قادرًا علي مواجهة أعبائه المتزايدة وظروفه الصعبة التي توحي بأن الحكومة لم تتخذ من التدابير والإجراءات ما يحول دون تفاقم تبعات مثل هذا القرار الخطير. فالأسعار لم تعد في متناول الكثيرين سواء فيما يخص الدواء أو الغذاء الذي يتغير سعره أكثر من مرة في اليوم الواحد.
وإذا كان الرئيس السيسي يري ـ ونحن معه ـ أن الحفاظ علي الدولة قوية تضطلع بدورها ازاء مواطنيها والعالم من حولها أولوية قصوي وقد نجح بالفعل في ذلك وحقق ما وعد به الشعب الذي اختاره رئيسًا للبلاد فلا بد أن يتوازي مع ذلك تحسين أحوال المواطن الذي لا يشعر بالتنمية إلا إذا وصلت ثمارها لحياته اليومية فتحسنت وتيسرت بلا مشقة ولا غلاء ولا احتكار ولا فساد.. ومن ثم فالحكومة مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضي بأن تسارع لإنقاذ هذا المواطن من الغلاء الفاحش.. والأمل كبير في تغيير وزاري مرتقب نرجو ألا يقتصر علي الأشخاص بقدر ما يمتد للسياسات لتخفيف متاعب الشعب وآلامه وهمومه اليومية حتي لا تأتي الذكري السابعة لثورة يناير إلا وقد تحسنت ظروف مصر وودعت أزماتها وتخلصت من ديونها وقدمت كل الدعم لمواطنيها مع الحفاظ علي مؤسساتها عفية قوية» فالحفاظ علي الدولة ومؤسساتها مطلوب ولا يقل أهمية عنه الحفاظ علي المواطن نفسه.. فالدول لا تنهض إلا إذا نهضت شعوبها.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف