جلاء جاب اللة
25 يناير.. بعد 6 سنوات "2"
* * أمس مرت الذكري السادسة لثورة 25 يناير وسط تباين واضح في الاحتفال بالذكري.. ومازال الجدل مستمرا حول 25 يناير.. هل هو ثورة أم لا؟ هل تحققت اهداف الثورة أم لا؟ هل اصبحنا للأفضل أم تأخرنا؟
وإذا كان الدستور قد حسم ما حدث واكد أنها ثورة.. وهي بالفعل ثورة غيرت الكثير ومازال مشوارها أطول.. إلا أن الكثيرين مازالوا مختلفين.. ويرجع ذلك إلي أنه لم تكن هناك قيادة أو حزب يقود ثورة الشعب في 25 يناير عكس ما حدث في ثورة 30 يونيه.. لأن وجود قيادة لثورة الشعب يعني أن هناك اهدافا محددة تريدها الثورة وتسعي إليها.. وهذا ما حدث في 23 يوليو 1952 و30 يونيه 2013 عكس ما حدث في 25 يناير 2011 حيث كان التغيير هدفا لكن ماهية التغيير وهدف التغيير مختلف عليه.. ومازال هناك من يري أن الثورة كان يجب أن تتوقف عند 18 فبراير وأن يستمر مبارك لفترة دون توريث.. بل هناك من يري أنه ليس مطلوبا محاكمة نظام مبارك والاكتفاء بحكم التاريخ وإلغاء محاكمات النظام الأسبق وهو دليل علي أن البعض لم يع بعد ما حدث في 25 يناير .2011
25 يناير مثلها مثل كل الأحداث الجسام فيها ما فيها ولها ما لها وعليها ما عليها.. مثلها مثل كل الأحداث التي تؤثر في التاريخ وتغير مساره.. لها ايجابيات ولها سلبيات غير أننا مازلنا حتي الآن لا نري سوي السلبيات!!!
أهم ايجابيات ثورة 25 يناير انها غيرت نظاما ظل جاثما علي صدر الشعب لسنوات طوال وكان يسعي للاستمرار.. وأسقطته ولن يعود برغم كل محاولات العودة.. وبرغم أن تلك أهم الايجابيات إلا أن أبعاد هذه الايجابية كانت أبرز السلبيات حيث لم يعد التغيير هدفا.. بل أصبح وسيلة لإسقاط الكبير أي كبير مما اضعف البنية الاجتماعية وأثر سلبا علي العلاقات الانسانية وهي أبرز ملامح الشخصية المصرية.. فالمصري انسان متدين واجتماعي يرتبط بأسرته وبمكان معيشته ومكان تواجده ويحب وطنه لكن هدم الكبير وكسره أيا كان دخل علي البنية الاساسية للانسان المصري فأصبح الأب مثلا هدفا للإساءة.. والأبويه لم تعد في قيمتها الحقيقية.. وتجديد الخطاب الديني مثلا أصبح وسيلة وليس هدفا.. فأصبح وسيلة للإساءة لرموز دينية وشيوخ وأئمة وفقهاء.. وليس هدفا في حد ذاته للارتقاء بالدين نفسه.. وهكذا..!!
* * من أبرز ايجابيات 25 يناير هو المشاركة في القرار وعدم التغيب السياسي فشاهدنا طوابير الشعب في الاستفتاء والانتخابات واصبح لكل انسان رأي.. صحيح أن هناك حالة شطط أحيانا وهناك تجاوزات أحيانا أخري إلا أنها في حدود النطاق الطبيعي لثورة كسرت قيودا عديدة وحطمت أصناما سياسية كانت تري نفسها فوق القانون.. واعتقد أنها تدريجيا ستعود إلي الحالة الطبيعية.
* * من الايجابيات أيضا أننا خرجنا من حالة اللا دولة إلي حالة الدولة وليس شبه الدولة.. بل الدولة بدليل ما يحدث من انجازات ومشروعات عملاقة وبدليل هذه الحرب الشرسة ضد الإرهاب وضد الفساد.. وبدليل استكمال المقومات الدستورية للدولة بنجاح.
* * ثورة 30 يونيه 2013 واحدة من أهم ايجابيات ثورة 25 يناير لأن الشعب الذي رفض فساد ثلاثين عاما واكثر ورفض حالة ونظام مبارك في يناير هو نفسه الذي رفض الإخوان ونظامهم وأسلوبهم وفكرهم في 30 يونيه ولولا حالة الثورة في يناير ما كان من السهل خروج هذه الملايين الشريفة الوطنية في كل أنحاء مصر ترفض النظام الإخواني وترفض الفاشية باسم الدين وترفض سرقة الثورة لصالح جماعة أو حزب أو فكر.. واستفادت الثورة الشعبية هذه المرة من سلبياتها فكانت هناك قيادة وكان هناك قائد.. وكان هناك هدف التف حوله الشعب مع الجيش وساند الشرطة للتعافي.. وبالفعل.. بدأت ثورة 30 يونيه استكمالا لثورة 25 يناير في الانطلاق.
* * المشروعات العملاقة في ربوع مصر من طرق وأرض زراعية وعودة للاستقرار وقناة السويس الجديدة والمزارع السمكية والعودة للتصنيع والمساكن الاجتماعية للشباب والحرب ضد العشوائيات وغيرها من المشروعات العملاقة أحد ثمار ثورتي يناير ويونيه صحيح ان هذه الانجازات لم تؤت ثمارها المباشرة بعد ولكن من الظلم أن نعتقد أن الثورة وحدها السبب.. فهناك من يحلو له أن يقارن بين ما قبل 2011 والآن ويقول كانت الأسعار أرخص وكان الاستقرار الأمني أفضل وكان هناك سياحة واقتصاد أقوي..!!
وهذه مقارنة ظالمة.. كما أنه ظلم بيِّن للثورتين لأن ما حدث لمصر في السنوات الست الأخيرة لم يكن نتيجة مباشرة للثورة بل لأسباب أخري كثيرة أهمها الإرهاب وفساد ما قبل 2011 وهو فساد متجذر له جذور في المجتمع.. بل أصبح عادة لدي البعض.. فلا حياء في رشوة تحت مسمي الاكرامية والمجاملة.. ولا حياء في طلب حق الآخرين بدعوي الظلم والبحث عن الحق!!
* * إذا نظرنا إلي الثورة كحدث نجد أن هناك ايجابيات عديدة بالفعل وتغير حدث حقيقة ولكن هناك سلبيات أخري كثيرة أهمها التغيير السلبي الذي أصاب الشخصية المصرية وهو التغيير الناتج عن الغلو في استخدام الحق مما يجعل استخدام الحق بهذا الشكل عملا سلبيا وباطلا.. واعتقد أن الثقافة السياسية التي غابت عن الشعب لسنوات طويلة هي أهم الاسباب.. كما أن الأزمات الاقتصادية سواء الناتجة عن الإرهاب كالسياحة أو عن القرارات الاقتصادية الصعبة التي اتخذتها مصر كتعويم الجنيه ليست نتيجة للثورة بقدر ما هي نتيجة لغياب السياسة الاقتصادية لسنوات طويلة في مصر قبل ..2011 فكانت كل القرارات الصعبة مؤجلة خاصة بعد أحداث 18 و19 يناير التي شهدت ردة فعل شعبية كبيرة في عهد الرئيس الراحل أنور السادات بسبب رفع الأسعار وقتها.. والتي أطلق عليها الرئيس السادات وقتها "انتفاضة الحرامية".. وكانت انتفاضة شعبية بسبب الأسعار التي ارتفعت فجأة بدون وضوح للرؤية الاقتصادية.. المهم بعدها لم يتخذ أحد أي قرار وظلت كل القرارات الصعبة حبيسة الأدراج حتي اقتحم الرئيس السيسي المنطقة الصعبة لتصحيح المسار.. وكان طبيعيا أن تحدث أزمات.. لكن المهم أن نخرج منها سريعا خاصة ما يتعلق بأسعار المواد الاساسية التي لا يمكن ان يستغني عنها الناس.. ورفع المرتبات التي اصبحت قيمتها الحقيقية أقل من نصف قيمتها الشرائية.
* * ست سنوات مرت علي ثورة يناير.. تغيرت فيها كثير من المفاهيم ولكن بقي الأمل.. واستمرت حالة الثورة داخلنا.. ومازال كثير من الناس بنفس العقلية القديمة يريدون كل شيء ولا يفعلون أي شيء ومازال البعض يعتقد أن الصوت العالي واثارة القلاقل والفتنة يمكن أن تحقق شيئا لهم وهو غير منطقي لأن قانون الفوضي يختلف تماما عن قانون الاستقرار..!!
* * ست سنوات مرت علي 25 يناير ولم يسأل أحدنا نفسه: ماذا قدم لمصر؟ أو قدم لأسرته؟ أو حتي قدم لنفسه؟ كلنا ننتظر ونتناسي أن نفعل.. كلنا ننظر للآخرين ونتجاهل النظر لأنفسنا.. كلنا ننتقد الآخرين ولا يحاول أحدنا أن ينظر لنفسه في المرآة ليعرف حقيقتها..!!
* * الشعب صبر وعمل قدر طاقته لكن الحكومة ممثلة في بعض الوزراء أو المسئولين لم يكونوا عند مستوي الحدث والأحداث.. كان الرئيس في اتجاه يسير بسرعة وجدية وبعضهم يقف في منتصف الطريق وقد فقد البوصلة.
* * في العيد السادس لثورة 25 يناير مطلوب حكومة بروح الثورة وثقة في النفس بعيدا عن الخوف والقلق الذي بات يسيطر علي بعض المسئولين.. فالرقابة والمحاسبة لا تنال إلا الذي يتعمد الفساد ولكن من يعمل ويخطئ فله أجر الاجتهاد ومن يعمل ويصيب فله أجران..!
* * ست سنوات مرت وعلينا أن نحاسب أنفسنا الان لماذا تم اغلاق ميدان التحرير في الثورة؟ ولماذا الإرهاب الأسود يحاصرنا من كل مكان؟
الإرهاب المدعوم من مخابرات دول معلومة حتي ولو لم نملك الدليل علي ذلك دليل قوي علي نجاح الثورة.. لأنهم فشلوا في ركوب موجة الثورة واستغلالها ولأنهم خرجوا من الميدان بلا غنيمة.. ولأنهم فشلوا في كسر مصر وهي في مرحلة اللا دولة.. يحاولون بالإرهاب تحقيق أهدافهم لكنهم سيفشلون حتما.. لأن هذا الوطن آمن مطمئن بأمر الله وعين الله تحرسه دوما.
كل عام وأنتم بخير بمرور ست سنوات علي 25 يناير وان شاء الله نحتفل بالذكري السابعة وقد زادت الانجازات وتخلصنا من بعض السلبيات ان شاء الله.