الأخبار
عبد المنعم فؤاد
المأذون ليس هو الحل
منذ أن وجه السيد الرئيس سؤاله للإمام الأكبر عن مشكلة الطلاق الشفوي وكيفية علاجها اشتعلت مواقع التواصل، والفضائيات بالجدل العقيم، ومنه القول : بأن الرئيس يريد أن يفرض تشريعا جديدا للأسر، وأن الأزهر لا يمكن إلا أن يستجيب : ( وهات اتهامات للرئاسة والأزهر بدون وعي)، بل ركب الموجة بعض الذين الذين يظنون أن الرئيس استجاب لما كتبوا بأن إلغاء الطلاق الشفوي هو التجديد الحقيقي للخطاب الديني الخ.
وهذا هو الفهم المغلوط تماما - من وجهة نظري- فلا الرئيس يريد تشريعا يخالف الثوابت، ولا الأزهر يمكنه أن يُقدم سوي صحيح الدين، وتجديد الخطاب الديني لا علاقة له بظاهرة الطلاق، ولو راجع المرجفون كلمة الرئيس لوجدوه يطرح سؤالا يريد من خلاله علاج أمراض الطلاق التي شاعت في المجتمع، وتهدد الأسر، والبيوت.( إيه رأيك يا مولانا ).
ولعلم الرئيس أن الأزهر هو الذي تلجأ إليه الدولة في كُبريات القضايا الفكرية والشرعية، والتي هي من صميم تخصصه لم يكن من مناص أن يوجه سيادته سؤاله للإمام الأكبر، غير أن البعض خرج في الإعلام ليلتها ليشكر السيد الرئيس لكونه تبني وجهة نظر معينة للبعض. وهذا هو الاختزال بعينه للمراد تطبيبه، فالطلاق والزواج أمر شرعي له ضوابط، وشروط، ولا تؤخذ فيه آراء فردية مهما كان علو كعب صاحبها، وإنما الرؤية الجماعية المؤسسية التي تنظر للقضايا الشرعية من كل جوانبها، ولا تقول إلا بما يتوافق مع الشريعة في ذلك، والدولة والمجتمع يعلمان هذا جيدا، ولذا الأمر المطروح ليس سهلا أن يدعي أحد أنه هو الوحيد المعالج له، وأن رأيه سيُفرضُ بالقانون، فهذا ضرب من الخيال، فكما أن الزواج يتم شفويا بإيجاب، وقبول، ثم يكون التوثيق القانوني المستحدث الآن بسبب فساد النفوس، فالطلاق الشفوي يقع أيضا طالما أن الزوج نطق به صراحة، وبكامل قواه العقلية، وغير مجبر، كما قرر الفقهاء من شروط في ذلك -لا محل لتفصيلها هنا - ثم يكون التوثيق لنفس العلة السابقة، لضمان الحقوق.
والرسول الكريم حدثنا أن الزواج بنص القرآن ميثاق غليظ، وكذلك الطلاق لا يصح الهزل به، بل علي المسلم أن يعلم أن هذا خط أحمر لا يصح أن يتعداه : ( ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق والعتاق ) ومن هذا المنطلق جاءت أقوال الفقهاء، مفسرة ومبينة، ومحذرة من التلاعب بهذا الصرح الأسري العظيم، والذي عليه تُبني الأمم، وإذا أصيب الناس بتسرع في هذا الأمر، وكثر التلفظ بالطلاق، وانتشر التفكك الأسري فمن غير اللائق أن نحصر العلاج عند الموثق فقط : ( المأذون).
فالذهاب للمأذون ليس هو العلاج، بل لابد من أن تكون هناك نظرات شمولية تُبين الأسباب التي أدت لذلك حقيقة فمثلا :
1- سوء الاختيار للزوج والزوجة هو بداية الطريق للطلاق، فلو ترسخت ثقافة: ( فاظفر بذات الدين تربت يداك ). وثقافة ( إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ) لاستقر الأمر وانحصر الطلاق في زوايا ضيقة، لكننا فضلنا ثقافة : فاظفر بذات الجمال الباهر، أو الحسب، أو المال فقط، وثقافة إذا جاءكم من لديه الأرصدة، والسيارات الفاخرة فقط، فكان لابد من وقوع كارثة الطلاق.
2- كذلك الجانب التعليمي في مدارسنا، حيث لا توجد مادة ( للأخلاق) تُرسخ لثقافة الاحترام للحياة الزوجية المستقبلية، والتي تعتمد في الأساس علي المودة والرحمة،
3- ثم الجانب الاقتصادي: وكيفية عبور شواطئه بتؤدة وصبر، وتأن ووقوف المجتمع كله في وجه تغوله، بحكمة وحسن تصرف، فأكثرية الدواعي المؤدية للطلاق وراءها هذا العامل الخطير.
4- أضف إلي ذلك : الدراما الفنية والتي تحتل حجرات بيوتنا وقد استسهلت الرباط الأسري والعلاقات الزوجية وتسمع تكرار كلمة:
(مش عاجبك طلقني) من نجوم الفنانات علي مدار الساعة، فتأتي الريفية البسيطة في القُري، والكفور لتقلد الفنانة العظيمة في هذا التلفظ مع زوجها بعد أن تتجسد شخصيتها، فيستجيب الزواج المكلوم حمية، فيُلقي لفظ الطلاق فيُخرب البيت، وُتلطم الخدود وتشق الجيوب، ويُرهق القضاء بعد ذلك الخ.. كل هذه العوامل وغيرها يجب أن يتضامن المجتمع بكل أطيافه لحلها، وليس الأزهر فقط، ولا المأذون فقط، ولا القضاء وحده بل كل من في سفينة الوطن عليهم أن يُقدموا الروشتة العلاجية الواقية في هذا الشأن، فالله عز وجل : (لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم).
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف