الجمهورية
بسيونى الحلوانى
محمد خيري.. افتقدنا مواطناً مكافحاً شريفاً
كثيرون الذين يفتقدهم الإنسان ولا يتأثر كثيراً بهم حتي ولو كان يعيش بينهم ويخالطهم وتربطه بهم علاقات قرابة أو زمالة أو جوار لأنه افتقد فيهم الصدق والأمانة والبساطة والتلقائية.. والرجل الذي افتقدته هذا الأسبوع "محمد خيري عبدالمعبود" لم اختلط به كثيراً بحكم إقامة كل منا بعيداً عن الآخر. لكنه ترك في نفسي فراغاً كبيراً لصدقه وعفة نفسه ورفضه أن يبيت مدانا بجميل من أحد حتي ولو كان بسيطاً.. فهو يحمل شهامة المصريين الشرفاء الذين يفتخرون بأنهم من الطبقة الكادحة التي تملك رصيداً هائلاً من الشرف والكرامة يفوق في قيمته ما يمتلكه الآخرون من أموال وممتلكات ومناصب براقة.
عندما زارني المرحوم الأستاذ محمد خيري وأنا مريض وعائد من رحلة علاج بالخارج بعد موافقتي علي طلب ابنه الزواج من ابنتي وجدت فيه صدقاً وبساطة طمأنتني كثيراً علي ابنتي وعلاقتها بهذه الأسرة التي لا نعرف عنها شيئاً. فالرجل من الطبقة الاجتماعية الكادحة التي نفتخر جميعاً بالانتماء إليها وبساطته في التعامل تشعرك بأنك أمام إنسان صادق لا يعرف الكذب ولا التجمل.. رجل يعرف قيمة استثمار الجهد والعرق والكفاح في تعليم الأبناء وتزويجهم والسهر علي راحتهم لذلك رحل عن عالمنا وهو مستريح البال ومطمئن علي أولاده. وكل سلوكياته في الشهور الأخيرة كما روي لي المحيطون به والمقربون منه تؤكد أنه كان يتعجل لقاء ربه حيث رفض إلحاح أبنائه الذهاب إلي الأطباء ولم يذهب إليهم قبل رحيله إلا بعد ضغط شديد. وكان يتظاهر بالصحة مع أنه مريض لاقناع المحيطين به بأنه علي أحسن حال.
***
بعد الارتباط بأسرة الأستاذ محمد خيري وانتقال ابنتي إلي بيت الزوجية والاختلاط بالأسرة والسفر إليهم باستمرار إلي قرية "بيشة قايد" بالزقازيق شعرت بالغيرة فالبنت لم تعد تسافر إلي بلد والدها في البحيرة وتعيش في منزله كما تفعل مع حماها الذي أصبح يراها ويجلس معها أكثر من أبيها.. وبدأت حالة عشق أبوي بين إيمان وحماها سعدت أنا كثيراً بها فهي دائمة الحديث معي ومع أمها عن حفاوة حماها بها وإعجابه بجدعنتها ولا تمل من الحديث عن كرمه ومودته في التعامل معها ومع أحفاده.
كثير من الأسر التي ترتبط بعلاقات مصاهرة تحدث بينها مشكلات وخلافات وأحياناً أزمات والحمد لله لم يحدث بيننا وبين أسرة المرحوم خلاف في يوم من الأيام والفضل في ذلك يرجع له فقد غرس في ابنه معاني الشهامة وعفة النفس.
في إحدي المناسبات أرسلت للرجل هدية بسيطة للتعبير عن المودة فإذا به يرد التحية بأحسن منها فقررت ألا أبادر بإرسال شيء له مرة أخري. فهو ذو طبيعة خاصة ولا يقبل أن يبيت مدانا بمجاملة من أحد.. ونادراً أن تجد رجلاً بهذه العفة وهذا القدر من الشعور بالكرامة خاصة في العصر الذي يبحث فيه كثير من الأزواج عن مغانم ومكاسب مادية حالية ومستقبلية من وراء الزواج.
***
هذا الرجل المحترم من الطبيعي أن يترك بصمة في حياة كل من تعامل معه حتي لو اختلف معه في الرأي فقد كان محباً لوطنه غيوراً عليه يتألم علي كل روح تزهق علي يد جماعات الشر والضلال وصراحته ووضوحه وصدقه كان يغضب منه البعض أحياناً حيث كان لا يعرف المجاملة عندما يتعلق الأمر بالوطن ومصالحه الكبري.
وطنية "محمد خيري" كانت تدفعه في كثير من الأحيان إلي التصدي للعناصر الإخوانية خاصة هؤلاء الناقمين علي الوطن والذين يسعدون كثيراً لما يلحق به من مصائب وكوارث.. كان يغضبه أن يري بعض أبناء هذا الوطن يكرهون الجيش الذي يحميهم والشرطة التي تقدم كل يوم تضحيات وتبذل كل جهدها لتأمين الوطن والمواطن.
كان "محمد خيري" غيوراً علي الوطن ومصالحه مدافعاً صلداً عن وطنه ولو غضب المخدوعون بدعاوي وأكاذيب أعداء مصر في الداخل والخارج.
اللهم ارحمه رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته وعوض أسرته عنه خيراً.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف