المصرى اليوم
عبد الناصر سلامة
تأشيرة سيناء.. وإجازة نصف العام
مع بداية إجازة نصف العام الدراسى، أصبح الدخول إلى سيناء والخروج منها أشبه بتعاملات الدول الأخرى، إما أن تكون من أبناء سيناء، أو تعمل هناك، إضافة إلى فيش وتشبيه، أو صاحب أملاك بها، أو حاجزا فى أحد الفنادق، إلى غير ذلك من أمور لم تراع أبداً أننا على أبواب إجازة منتصف العام الدراسى، كما افترضت أيضاً فى المواطن أنه إرهابى إلى أن يثبت العكس، ناهيك عن أنه مع هذه الإجراءات أصبح المواطن أيضاً يوقن أنه سوف يصبح عرضة للخطر، أو أنه فى طريقه إلى أرض المعركة.

بالتزامن مع هذه الإجراءات، أصدر اللواء مجدى عبدالغفار، وزير الداخلية، قراراً بإنشاء سجن مركزى بمنطقة الطور بمحافظة الجنوب، وبالتزامن مع هذه وتلك أيضاً، تتعالى صيحات المستثمرين السياحيين هناك، من شبه توقف للسياحة الخارجية، ثم كان هذا التضييق على السياحة الداخلية، بما يشبه التأشيرة المسبقة، فى خضم الموسم السياحى الشتوى، الذى كان يعول عليه المستثمر والمواطن على السواء.

بدا واضحاً أننا لم نعد نفصل، أو نُفرق فى ذلك التعامل الأمنى، بين سيناء الشمال وسيناء الجنوب، على الرغم من أن أزمة الإرهاب هناك ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمنطقة الوسط، التابعة لمحافظة الشمال، فى منطقة ضيقة المساحة، لا تزيد على ٥٠ كيلومترا مربعا، حسبما أوضح المسؤولون أكثر من مرة، إلا أنها الرؤية الأمنية التى لا يجوز لأحد التدخل فيها، أو المساومة عليها، ذلك أن صاحب القرار بالتأكيد أدرى بحجم الأزمة.

سيناء، أيها السادة، هى ملتقى الرسالات، ليس ذلك فقط بل هى أرض السلام، أو هكذا يجب أن تكون، ربما هى الأرض الأغنى فى العالم بكنوزها المختلفة، والتى تبوح ببعضها شيئاً فشيئاً، على الرغم مما شهدته على مدى تاريخها من حروب تارة، وإهمال تارة أخرى، وبدلاً من أن نتعامل معها بما يعيد لها كرامتها، لتبوح بما هو فى مخزونها من أسرار، ها هى تئن من سفك الدماء والإهمال فى آن واحد، بأيدى أبنائها تارة، وأيدى أبناء المحروسة ككل تارة أخرى.

كنت أتمنى بدلاً من تحجيم زيارة المواطنين إلى سيناء فى هذه الآونة العصيبة أن نفعل العكس، أن نعمل على تشجيع الهجرة من الدلتا كثيفة السكان إلى سيناء أرض الفيروز، كنت أتمنى بدلاً من تفريعة قناة السويس، إنفاق مبلغ الـ٦٤ مليار جنيه التى تم جمعها من المواطنين على تنمية سيناء، فى هذه الحالة كان يمكن تهجير عشرة ملايين مواطن إلى هناك فى فترة لن تزيد على خمس سنوات، كنت أتمنى نقل سكان العشوائيات فى كل بر مصر إلى سيناء، مع توفير
فرص عمل مناسبة فى هذه الحالة، كنت أتمنى منح الأولوية لسيناء فى كل المرافق والخدمات حتى تصبح منطقة جذب سكانى، وسياحى وصناعى وزراعى، بدلاً من التعامل معها بهذا الشكل الأقرب إلى الفيدرالية، أو الكونفيدرالية.

مع صيحات استهجان أصحاب المشروعات السياحية فى سيناء، ومع صيحات استنكار المستثمرين هناك بصفة عامة، ومع أنين أبناء سيناء طوال الوقت، نتيجة إرهاب لا ذنب لهم فيه، أو لمعظمهم على الأقل، أناشد أصحاب القرار التعامل مع هذه البقعة العزيزة على كل مواطن، هذه الأرض المباركة، بشكل مختلف فى المستقبل، باستراتيجية مختلفة، بخطط مختلفة، ذلك أن حماية سيناء يجب أن تكون مسؤوليتنا جميعاً، تنميتها أيضاً مسؤوليتنا جميعاً، لا يجب أبداً التعامل مع سيناء كما مناطق الأقليات فى هذه الدولة أو تلك، لا يجب أبداً أن تتحول أرض السلام إلى ساحة للاقتتال وبناء السجون ومعسكرات الأمن.

الوضع الطبيعى أن تكون سيناء، أيها السادة، مقصداً لكل الباحثين عن السياحة الدينية من كل الديانات، لكل الباحثين عن الراحة النفسية أو الحياة الروحانية، أيضاً لكل الباحثين عن سياحة الشواطئ، السباحة، كما الغوص، كما الصيد، كما الشمس، كما الهواء، أيضاً لكل الباحثين عن التنمية والاستثمار والزراعة والصناعة والتجارة، أيضاً لكل المؤتمرات العالمية، العلمية منها والسياسية، أيضاً لكل البطولات الرياضية، والمهرجانات الفنية.

إغلاق سيناء أمام العالم لا يحقق سوى أهداف الإرهاب، ما بالنا حين إغلاقها أمام أبناء الوطن، أو إغلاقها على أبنائها، أعتقد أن كل يوم أو أسبوع أو شهر يمر دون تحقيق تنمية فى سيناء، أو دون توطين أعداد كبيرة من البشر بها، هو الخسارة الأكبر من الإرهاب، هى خسارة للدولة المصرية ككل، بل هى خسارة للعالم أجمع، خسارة لكل أصحاب الضمائر الحية، لذا أعتقد أن هذا هو مشروعنا القومى القادم، أو ما يجب أن يكون، دعوة العالم إلى الالتقاء فى سيناء، الاستثمار فيها، السياحة بها، الحياة فى أوديتها، أعتقد حينئذ أنه لن يكون هناك مكان للإرهاب، سوف يتحلل، سوف يندثر.. التحجيم كما الإغلاق لم يكن حلاً أبداً لأى أزمة، ما بالنا حينما يتعلق الأمر بملتقى الحضارات والثقافات، بل والقارات.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف