المصريون
جمال سلطان
الطلاق في عيد الشرطة وثورة 25 يناير ؟!
بدا الأمر غريبا ، غرابة تصل إلى حد الشذوذ ، عندما تكلم رئيس الجمهورية في احتفالات 25 يناير عن قضية الطلاق وأحكامه وانتشاره في مصر وضرورة أن يتم تعديل تشريعي لمنع الرجال من استخدام لفظ الطلاق إلا في حضور شهود وتوثيق قانوني ، وطالب المؤسسة الدينية بأن تنظر في تعديل هذا الأمر ووضع تصور ديني للتشريع الجديد ، ولم ينس السيسي مداعبة شيخ الأزهر بأنه "يتعبه" وهي عبارة تكررت كثيرا ، ويبدو أنها أكبر مما كنا نتخيل من مداعبة وملاطفة ، وأن هناك شيئا ما غامضا بين الاثنين لم يتوافقا عليه حتى اليوم ، أو أن شيخ الأزهر يمتنع عن الموافقة عليه ، والله أعلم . سواء كنت ممن يحتفلون في 25 يناير بثورة الشعب المصري على الطغيان وفساد نظام مبارك وتأسيس دولة جديدة تقوم على الحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية ، وهو المشروع الذي تم إجهاضه ، أو كنت ممن يحتفلون بذلك اليوم باعتباره يوم بطولة الشرطة الوطنية المصرية في صمودها وتضحياتها أمام الاحتلال البريطاني في الإسماعيلية أيام وزير الداخلية "المدني" فؤاد سراج الدين ، فإنك في الحالتين لا يمكن أن تخفي دهشتك من اتجاه رئيس الجمهورية المفاجئ إلى الحديث في موضوع "أحكام الطلاق" في تلك المناسبة ، عندما تكون أمام ضباط شرطة وقيادات شرطة يودعون بشكل يومي تقريبا شهداءهم ـ شهداء الوطن ـ الذين يسقطون ضحية الإرهاب أو ضحية مواجهة الجريمة المتزايدة في المجتمع في الوقت الذي يعاني منه جهاز الشرطة من التوتر وسوء الظن بينه وبين المجتمع وخاصة القوى الوطنية المنحازة لثورة يناير وتزايد الكراهية بصورة تعيد للذاكرة الأشهر الأخيرة ما قبل ثورة يناير ، ثم تترك هذا كله وتحدثهم عن الطلاق وأحكامه ، فالمسألة تكون أكبر من قدرتنا على هضمها أو فهمها ، أيضا عندما تكون في تلك المناسبة وأنت تخاطب مجتمع منقسما سياسيا بشكل حاد وخطير وتزايد من نزعات التطرف وتفاقم مشكلة الإرهاب ومرارات شديدة تتعمق في النفوس تجاه السلطة الحالية من ملايين الشباب الذين حلموا بالتغيير وبالحرية وبالكرامة ، وعذابات عشرات الآلاف من المعتقلين وأسرهم من كل الاتجاهات الفكرية والسياسية ، ثم تحدث هؤلاء عن مشكلة الطلاق وضرورة البحث عن حل ديني وقانوني لها ، فنحن أمام حالة تحتاج إلى تحليل أو تفسير . وعندما تكون في مجتمع أزمته الأكبر الآن هي في الفقر والمعاناة الاقتصادية وضعف الإنتاج وسوء التخطيط الإداري وانهيار العملة وهروب رؤوس الأموال وتعثر القروض وتعطل المشروعات بسبب غياب التمويل وغلاء الأسعار الذي جعل عشرات الملايين من المصريين يصرخون من بؤس الحياة والمعاناة وانتشار البطالة وإغلاق المصانع ، ثم تحدث هؤلاء التعساء عن أهمية تعديل أحكام الطلاق ، فما الذي يمكنك سماعه من هؤلاء البائسين ؟ . لا أعرف من الذي مرر هذا الموضوع إلى عقل الرئيس في تلك الليلة ، أو ما الخاطر الذي ورد على رأسه فجأة ليتحدث في الموضوع ، كرئيس للجمهورية ، خاصة وأن هذه القضية ، قضية الطلاق اللفظي ، لم تكن مطروحة على أي أجندة حكومية أو حزبية أو حتى حقوقية هذه الأيام ، فمن أين فرضت نفسها على تفكير رئيس الدولة ، كما أن مثل هذه القضايا يسبقها منطقيا وعلميا وسياسيا ، إعداد دراسات جادة وشاملة ودقيقة واستقصائية في عموم المجتمع ، عن حجمها وأسبابها وأفكار المجتمع في علاجها ، وعقد ندوات ومؤتمرات لإدارة نقاش عميق حولها ، وهذا كله لا يوجد ، كما أنك لو سألت أي أسرة مصرية عن انتشار حالات الطلاق ذاتها ، بغض النظر عن اللفظي أو الكتابي فستكون الإجابة الواضحة والبديهية هي أن الأحوال المعيشية الضاغطة على الأسر هي السبب الرئيس للطلاق ، ضعف القدرة على الإنفاق أو ضعف القدرة على توفير السكن أو إيجار السكن أو ثمنه والمعاناة المستمرة في المواسم الاجتماعية مثل الأعياد ودخول المدارس ومثلها والتي وصلت الأمور فيها إلى حد الانتحار هروبا من ضغط الحاجة وإحراج العائل أمام أطفاله وزوجته ، والبديهي أنك إذا أردت أن تحاصر ظاهرة الطلاق أو تحد منها أن تكون أولويتك معالجة سببها الرئيس ، أن تعمل ـ كمسئول ـ على تحسين أحوال الناس المعيشية وتخفف الضغط عنهم وتحارب الفقر وتفتح المزيد من المصانع وتبني المزيد من المساكن قليلة التكلفة ، أما أن نختلق لهم حدوتة الطلاق باعتبارها مشكلة المجتمع والدولة ثم نعلق أسبابها على أن الرجل المصري مستهتر أو نزق أو غير حكيم وبالتالي لا بد من لجمه ، فنحن هنا نهرب من مواجهة الأزمة ، والمسئول يحاول التفلت من مسئولياته المباشرة والرئيسية تجاه شعبه . في طرح هذه المسألة على المؤسسة الدينية أمام الرأي العام بتلك الطريقة مشكلة أخرى ، لأنه إحراج للمؤسسة وإضعاف لهيبتها ، ووضعها في صورة "المحلل" لرغبات رئيس الدولة ، واتهامها ـ ضمنيا ـ بأنها تكيف الشرع وتعدله حسب مطالب الرئيس ، وتضع الرئيس نفسه أمام الشعب في صورة من يضغط على علماء الدين لكي يطيعوه في تصوراته وأفكاره ويضعوا عليها ختم الفقه والدين ، وهذا خطير ، فماذا لو انتهت نقاشات هيئة كبار العلماء إلى فساد فكرة الرئيس وأنها لا تستقيم مع الشرع ، هل يسعهم إعلان ذلك ، ويكون إحراجا للرئيس وتحديا له أمام الشعب ، وماذا لو استجابوا للفكرة وبحثوا لها عن "مخرج" ، ألا يصل إلى الناس أن هذه المؤسسة الدينية ليست جديرة بالثقة ولا أمينة على دين الناس والفتوى ، وأن الساسة يتلاعبون بها حيث شاءوا وليس حيث شاء رب العالمين ، وألسنا في ذلك نمنح المتطرفين ـ بل والإرهابيين ـ دعما معنويا لإهدار قيمة المؤسسة الدينية ومرجعيتها والإيحاء للشباب المتحمس ومحدود الثقافة بأن الأزهر أو دار الإفتاء ليسوا ممثلين للإسلام الحقيقي أو المعتدل .

-
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف