أتذكر مع بدء تشغيل مترو الانفاق في مصر أواخر الثمانينيات، كم سعدنا جميعا بالتزام الركاب بالقواعد التي وضعتها ادارة هذا المرفق، خاصة حظر التدخين او القاء اي مخلفات علي أرصفة المحطات. لم يكن السبب هو الخوف فقط من دفع غرامة قيمتها 10 جنيهات، وانما الاهم في رأيي هو استدعاء القيم الحضارية الكامنة داخل الانسان المصري وتطبيقها. قد يسخر البعض من تحليلي، لكنني علي قناعة، ان الانسان المصري متحضر بالفطرة، وانه بريء مما سيطر علي حياتنا من عشوائية في العقود الاخيرة. والدليل ان المصري أقل الجنسيات ارتكابا للمخالفات المرورية في دول الخليج، اضافة إلي ما لاحظته مؤخرا، من التزام قائدي السيارات باشارات المرور الالكترونية، في وسط القاهرة ومصر الجديدة، رغم عدم وجود اي فرد شرطة احيانا.
الكل يتابع لون وارقام عداد الاشارة، ويتصرف بشكل حضاري وفقا لذلك. رأيت هذا في العديد من الميادين المهمة، خاصة طلعت حرب وروكسي والمحكمة. التزام كامل، وسيولة مرورية، حتي في ساعات الذروة. لكن أثار حيرتي وغضبي، عدم تشغيل العديد من الاشارات في الميادين احيانا، والاصرار علي الاستعانة بالعنصر البشري، غير المدرب غالبا من الافراد المجندين. مما يتسبب في ارباك حركة المرور، ومحاولة الكثيرين العبور، ضاربين عرض الحائط باشارة الجندي بيده، لدرجة ان الجندي يضطر احيانا إلي التحرك إلي وسط الشارع وفرد ذراعيه في اشارة استجداء للسيارات للتوقف، مثلما يحدث في ميدان روكسي والميرغني علي سبيل المثال.
السؤال المحير.. لماذا يتم ايقاف تشغيل الاشارات الالكترونية وكاميرات المراقبة ؟ وإلي متي نظل نتمسك بنظام عسكري المرور ؟ ومن المستفيد من استمرار العشوائية والفوضي في حياتنا ؟