صاحب الكتاب بلدياتي. ابن البحيرة. وأنا أعطي لأبناء البحيرة أولوية في وجداني. وربما كان هذا فيه غبن لأبناء المحافظات الأخري. وربما أيضاً كان فيه نوع من »الشيفونية البحراوية»، ولكني هكذا منذ تركت قريتي في منتصف ستينيات القرن الماضي وحتي الآن. وأحاول »بقدر الإمكان» التقليل من هذا الوضع. لكني لا أستطيع أن أمر علي ابن من أبناء البحيرة من الأحياء أو من الراحلين دون أن أعتبر كونه بحراويا أو دمنهوريا مسألة أساسية.
وإبراهيم عبد العزيز صحفي دؤوب ومثابر، عرفته عندما كان ملاحقاً ومتابعاً لنجيب محفوظ - يرحمه الله رحمة واسعة - ومن قبل نجيب محفوظ تابع عن قرب توفيق الحكيم. ومن أواخر نتاجاته وثمراته: مذكرات الدكتور محمد عبد القادر حاتم. وأنا لن أكتب الآن عن معرفتي الضئيلة والشاحبة بعبد القادر حاتم في أخريات أيامه. لأن هذا قد يخرجني عما أنا بصدده. لكن كتابتي ستكون عن مذكرات عبد القادر حاتم. الذي تم وصفه بأنه رئيس حكومة حرب أكتوبر.
المذكرات نشرتها الثقافة الجماهيرية في زمن رئيسها الحالي: سيد خطاب. ومع أمانة الشاعر: جرجس شكري. ومسئوليته عن النشر في الثقافة الجماهيرية. وقد حرص إبراهيم عبد العزيز علي أن يحضر لي الكتاب في البرلمان. رغم أن ذلك ليس من الأمور السهلة هناك.
وأنا لم أفهم حقيقة ما معني أن مذكرات حاتم من تقديم إبراهيم عبد العزيز. فهل اكتفي بكتابة المقدمة؟ أم أن المذكرات عبارة عن حوار طويل أجراه إبراهيم عبد العزيز مع حاتم؟ وهذا ما لم أستشفه من المقدمة التي لم توضح لنا: هل جلس الدكتور حاتم ليدون كتابه؟ وحصل عليه إبراهيم عبد العزيز بطريقة أو بأخري. وإن كنت أميل إلي أن الكتاب كله حوار أجراه إبراهيم مع الدكتور حاتم.
أيضاً لاحظت أن الكتاب خلا من معلومات عن كاتبه: إبراهيم عبد العزيز. وأيضاً لا توجد فيه معلومات دقيقة ولا موثقة عن الدكتور عبد القادر حاتم. رغم أنه صاحب الموضوع. وهي ملحوظة تنسحب علي ما تنشره الثقافة الجماهيرية من كتب. وأعتقد أنه في ظل رئيس الثقافة الجماهيرية الحالي. وأيضاً المسئول عن النشر فيه، يجب تدارك هذا الأمر الذي أصبحت تحرص عليه دور النشر المصرية والعربية والدولية في زماننا.
وربما كان من أدوار حاتم المهمة أنه تولي إدارة الحكومة المصرية في أيام حرب أكتوبر المجيدة. لكن لا يقل أهمية عن هذا الدور أنه من مؤسسي الإعلام المصري بعد ثورة يوليو 1952. تولي البدايات الأولي فتحي رضوان. وتناوب حاتم مع الدكتور ثروت عكاشة ولاية أمور الثقافة المصرية في تجربة عبد الناصر الثقافية.
في المذكرات كثير من الآراء التي قد أختلف فيها مع صاحب المذكرات، أو من كتبها. وإن كنت أعتبر أننا عندما نقرأ ما كتبه من رحلوا عن عالمنا، فيجب أن يقتصر دورنا علي نقل ما كتبوه. وألا نختلف معهم إلا في أضيق الحدود باعتبار أن من ماتوا لا بد أن نحترم ما قالوه. وأن ننحي جانباً اختلافنا معه.
لكني لا أستطيع أن أمر مرور الكرام علي قوله أن تولي علي أمين الأهرام بعد ترك هيكل له - مستقيلاً - كان مجرد صدفة. وأنها صدفة بحتة. ويحكي أن في اليوم التالي لتكليفه برئاسة مجلس إدارة الأهرام. وجد علي أمين يطرق باب بيته قائلاً:
- أنا قادم فقط للسلام عليك قبل السفر إلي لندن، بعد أن زرت أخي مصطفي أمين في السجن.
فسأله: لماذا يتعجل السفر؟ فأبدي مخاوفه من احتمال القبض عليه هو الآخر. فدعاه لتناول الغداء، ثم نتكلم، وأثناء الغذاء تلقي مكالمة من الرئيس السادات يطمئن فيها علي أحوال الأهرام. وسأله: ماذا ستفعل، فقال للسادات أنه ما زال يفكر وأبلغه أن علي أمين عنده. فسأله السادات بدهشة: علي أمين. ثم فوجئ بالسادات يطلب منه الاستعانة بعلي أمين للعمل معه في الأهرام. فذكر له أن علي أمين أبدي استعداده للعمل حتي لو كسكرتير تحرير. فقال له السادات: خذه معك مديراً لتحرير الأهرام ليساعدك.
أبلغ حاتم علي أمين بقرار الرئيس فقام يقبله. وهكذا جاء علي أمين إلي الأهرام بهذه الطريقة العفوية غير المرتبة والمقصودة. وقال له علي أمين بطريقته وأسلوبه ان الصحافة وصلت لمرحلة أشبه بسيدة جميلة. ولكن ظهرها عارٍ. التقط الصحفيون في الأهرام العبارة، ووجدوها فرصة لأنهم لم يكونوا راضين عن وجود علي أمين بالأهرام، واجتمعوا محتجين. فأتيت بعلي أمين وواجهتم به وسألته في حضورهم:
- يا علي، هل أنت تريد أن تهين الأهرام؟.
فقال: لا. إنما نريد أن نكاشف أنفسنا بالحقائق لنتلافي أخطاءنا لتحسين أحوالنا. ويصف حاتم علي أمين بأنه كان يفكر بعقل رجل وبقلب طفل.
أوردت الحكاية كلها. وإن كنت أتصور أن الأمور لم تكن بهذا القدر من العفوية والصدفة. فربما كان مقصوداً أن يكون أول من يدخل الأهرام بعد هيكل، هو علي أمين. وقد عشنا هذه الأيام وعاصرناها. وكان علي أمين يمثل اجتهاداً صحفياً يتناقض مع اجتهاد هيكل. خصوصاً في زمن عبد الناصر.
رحم الله الجميع.