المصرى اليوم
عبد الناصر سلامة
سوريا لم تعد عربية
بحُكم الواقع، وبحكم ما يُحاك، وبحكم المفاوضات الجارية على كل الأصعدة، لم تعد الشقيقة سوريا شقيقة، بمعنى أوضح، لم تعد عربية، سوف نكتشف أننا أصبحنا فجأة أمام المسخ السورى، لا هو عربى، ولا هو عجمى، المؤشرات فى ذلك واضحة، كما الانصياع السورى الرسمى والعربى لذلك الذى يجرى بدا أكثر وضوحاً، لم تعد هناك عاصمة عربية واحدة معنية بالشأن السورى، كانت هناك فى بداية المأساة أكثر من عاصمة معنية بالأمر، للأسف كانوا معنيين بالتمويل، بالتسليح، بالخراب والدمار،
بتدمير تراث ذلك البلد، تحت ذلك العنوان الخادع وهو «الربيع العربى»، أما وقد تحقق الهدف واختلط الحابل بالنابل، فقد رفعوا فجأة أيديهم، سلموا الراية لهؤلاء الذين يقررون المصير.

الآن الدستور السورى الجديد تتم كتابته فى روسيا، الآن الرئيس الأمريكى الجديد، دونالد ترامب، يقرر إنشاء مناطق آمنة فى سوريا «أشبه بمناطق العزل لمنع السوريين من المغادرة»، الآن العالم يراقب ما أسفر عنه مؤتمر أستانة بكازاخستان، الذى شاركت فيه كل من تركيا وإيران وبالطبع روسيا، الآن دعوات من موسكو لفصائل المعارضة السورية للالتقاء على مائدة وزير الخارجية سيرجى لافروف، الآن الطيران الروسى كما الطيران التركى يمرح على مدار الساعة فى الأجواء السورية، الآن إيران
تمرح على الأرض طائفياً، وإسرائيل تمرح مخابراتياً وعسكرياً، الآن أصبحت القواعد العسكرية البرية والبحرية الروسية فى سوريا لمدة ٩٩ عاماً، الآن يدور حديث عن كونفيدرالية روسية- سورية.

أين موقع العرب إذن من الخريطة السورية، أو من الدستور السورى؟ بالفعل الدستور الروسى تتم صياغته فى العاصمة الروسية، أُكرر: فى العاصمة الروسية موسكو، الدستور الجديد نص فى مسودته على إزالة التعبيرات التى تشير إلى عروبة سوريا، المادة الأولى تنص
صراحةً على «إزالة أى تعبيرات تشير الى عروبة الجمهورية السورية، بما فى ذلك كلمة العربية، من اسم الجمهورية العربية السورية، وإحلال مصطلحات محلها تشدد على ضمان التنوع فى المجتمع السورى»، جاء أيضاً فى البند الثانى من المادة التاسعة: اعتبار اللغتين العربية والكردية متساويتين فى أجهزة 1
X

ads.speakol.com
الحكم الذاتى الثقافى الكردى ومنظماته.

الرئيس الأمريكى ترامب اعتبر أن أكبر خطأ ارتكبته الدول الغربية هو السماح بوصول اللاجئين السوريين إليها، وطلب من البنتاجون والمخابرات وضع خطة للتدخل فى سوريا، بتحديد مناطق آمنة برعاية تركية، موسكو أعلنت أنه لم يتم التنسيق معها قبل إعلان هذا الأمر، نحن إذن على أبواب صراع لم يكن موجوداً من قبل، وسط كل هذا الزخم لم يستنكر أى طرف الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضى السورية، بالتأكيد هناك تنسيق مشترك مع كل الأطراف، حتى العواصم العربية فى هذا الصدد تلتزم الصمت أيضاً.

الغريب فى الأمر أنه فى الوقت الذى تستضيف فيه مفاوضات أستانة أطراف المعارضة المختلفة، وبينما أعلن وزير الخارجية التركى، جاويش أوغلو، أن بلاده نجحت مع روسيا وإيران فى تحقيق وقف إطلاق النار ووقف نزيف الدم، كانت الاشتباكات العنيفة بمجرد انتهاء الاجتماعات تدور على عدة محاور بين جماعة فتح الشام وفصائل المعارضة فى محافظة إدلب «شمال غرب» وريف حلب الغربى «شمالاً»، وانضمت إلى التصعيد أيضاً ستة فصائل أخرى على الأقل، من بينها جيش المجاهدين، وصقور الشام، للقتال بجانب حركة أحرار الشام، وكأن هذه الاجتماعات قد صبت الزيت على النار أكثر وأكثر.

إلا أن ما يعنينا هنا هو القضية الأساسية، المتعلقة بالسؤال التقليدى والمنطقى: أين العرب، وأين دور العرب من كل ذلك الذى يجرى، سواء ما يتعلق بالمواجهات المسلحة، أو التسوية السياسية، أو العدوان الخارجى، أو هجرة الملايين لأرض الوطن، بعد أن أصبح الشعب العربى السورى يسدد يومياً، من ماله ودمه وعرضه، ضريبة ذلك التخاذل العربى، بل والهزيمة أيضاً، أمام قوى جديدة بالمنطقة، فارسية وعثمانية وكردية، ناهيك عن الأطماع الروسية والإسرائيلية والغربية، انتظاراً للوقوف على حجم النفوذ الأمريكى المطلوب هناك، بعد أن كان البعض يعتقد أنه قد توقف على أعتاب الحدود مع العراق.

أعتقد أن الأسابيع والشهور القليلة المقبلة سوف تحمل الكثير من المتغيرات على الصعيد السورى، والمؤكد أنها سوف تكون الأسوأ من كل الوجوه، إلا أن الأكثر تأكيداً هو أن العرب خارج كل الحسابات، بما يطيح بسوريا من المعادلة العربية، كالعراق تماماً، وهو ما كان يجب أن نعيه منذ لحظة سقوط بغداد، قبل ١٤ عاماً، والبقية تأتى!!!.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف