لا يستطيع المرء أن يخفى شعوره بالخزى والانكسار حين يقرأ أن إسرائيل استقبلت مائة يتيم سورى لم تكترث الأمة العربية باستيعابهم ففتحت الدولة العبرية أذرعها لهم. بقية الخبر الذى أذاعته وزارة الداخلية الإسرائيلية يوم الخميس الماضى ٢٦/١ إنه لأجل استقبال اليتامى فإن إسرائيل قامت بالتنسيق مع مؤسسات دولية عاملة فى سوريا التى تولت استقدام أولئك الأطفال كى تتبناهم عائلات عربية إسرائيلية.
فى التفاصيل أن السلطات الإسرائيلية ستمنح اليتامى إقامة دائمة بعد إقامتهم بصورة مؤقتة لمدة أربع سنوات، وسيمكنهم ذلك من البقاء إلى أجل غير مسمى، وفى الوقت الذى سيتم فيه تدبير أمر التحاقهم بالعائلات العربية. فإن أقاربهم، إخوانهم أو أخواتهم، سيحصلون على وضع اللاجئين.
فى إطار المبادرات «الإنسانية» التى يتنباها الجيش الإسرائيلى ذكرت وكالة الأنباء الفرنسية فى تقرير لها أنه تم فتح الحدود لمعالجة جرحى «جبهة النصرة» المرتبطة بتنظيم القاعدة الذين يصابون جراء الصراع الداخلى مع الفصائل الأخرى. وإدعت أنها لا تكن عداء للشعب السورى، وإنها لا تريد التورط فى الصراع الدائر هناك، لكنها فقط تهاجم أهدافا عسكرية داخل سوريا دفاعا عن أمنها.
لا يخلو المشهد من مفارقة، إذ فى الوقت الذى تعلن إسرائيل على الملأ أنها آوت مائة طفل يتيم سورى، لأسباب إنسانية، فإن «إنسانيتها» لم تمنعها من قتل أكثر من ١٥٠٠ طفل فلسطينى منذ عام ألفين، كما فاق عدد الجرحى ستة آلاف فى الفترة ذاتها.
حتى إذا أرادت إسرائيل أن تحسن صورتها باستقدام اليتامى السوريين، فإننا لا نستطيع أن نلومها، ولا أن نلوم اليتامى الذين وجدوا فيها ملاذا لهم. إلا أننا فى كل الأحوال لا نستطيع أن نفترض البراءة أو حسن النية فى القرار الإسرائيلى، ناهيك عن إننا لا نستطيع أن نشير بأصابع الاتهام إلى اليتامى السوريين. لكن المشهد يثير سؤالا كبيرا عن دور العالم العربى الذى هو أوْلى برعاية السوريين، اليتامى منهم وحتى المصابين الذين تفتح إسرائيل حدودها ومستشفياتها لهم. لأسباب ليست إنسانية من جانبهم وأن أدعوا ذلك، إلا أن الأسباب فيما يخصنا لا حصر لها ولا عدد.
مشكلة العالم العربى أنه فقد «البوصلة» الهادية، كما أن كل قطر صار غارقا فى مشكلاته الداخلية، ثم أن منظماته الإغاثية ضربت كلها تقريبا، ضمن التدمير الذى حدث للمنظمات الأهلية وحجب خيرا كثيرا لم تستطيع أن توفره الحكومات. وتشرد السوريين فى اصقاع الأرض ومعاناتهم شاهد على ذلك.
إن العالم العربى يملك كل الإمكانات التى تتيح له أن يخفف من أحزان الشعوب وأوجاعها، لكن ينقصه شىء واحد هو العزم والإرادة. وكانت النتيجة أن شاعت تلك الأحزان وتضاعفت حتى جاء زمن أغبر، تقدمت فيه إسرائيل وقد ارتدت ثياب الحملان، وقامت فى سوريا بدور المنقذ الذى يؤدى واجبا تقاعس عنه «الأشقاء». فلا أنظمتهم قامت بما عليها، ولا شعوبهم مكنوا من إنقاذ ما يمكن إنقاذه. وكانت النتيجة أن حكوماتهم لم ترحم ولم تسمح لرحمة الله أن تنزل على من يستحق.