محمد صابرين
لمصر «شروط خاصة» للتحالف مع واشنطن
إشارات الغزل بين واشنطن والقاهرة كثيرة مؤخرا، كما أن العين الخبيرة لا يمكن أن تخطئ أن دونالد ترامب الرئيس الأمريكى يراهن على الرئيس عبد الفتاح السيسي. والرجل يسير على الدرب نفسه الذى سار فيه فلاديمير بوتين الرئيس الروسي، وبالطبع بوتين كسب الرهان عندما راهن على صعود السيسى وقدرته على كسب المعركة ضد قوى الإرهاب ودعاة الفوضي. واليوم وفى «حالة نادرة» فإن ترامب وبوتين يتفقان، بل يدعمان، خيار الرهان على مصر، وقد بدأت ترشح معلومات عن رغبة واشنطن فى «تحالف استراتيجي» مع القاهرة. وبالإضافة إلى ذلك تظهر مؤشرات قوية على أن القاهرة مرشحة لدور أكبر فى استعادة «النظام الإقليمي» واستقرار الشرط الأوسط. ونقطة البداية هنا هى ما يذهب إليه جوليان بارنز داسى المتخصص فى شئون الشرق الأوسط فى المجلس الأوروبى للعلاقات الخارجية من أنه «ما لم يستطع ترامب وضع سياسة متماسكة، وقيادة تحالفات فعالة، فإن الشعوب بانجراف وانهيار النظام الإقليمى سوف يتفاقم»، وأعتقد أن ذلك هو جوهر الأمر كله وخلاصته أن الشرق الأوسط يتحول إلى «كتلة من الجحيم»، وأن الفوضى تنشر بسرعة هائلة فى أنحاء المنطقة وتمتد إلى أوروبا، كما أن طوفان الهجرة وقطعان «الذئاب المنفردة» تحمل تهديد الإرهاب وداعش إلى كل أنحاء العالم، ولم يعد السؤال: «هل يضرب الإرهاب فى هذه الدولة أو تلك» بل بات «متى يضرب الإرهاب»؟!
ووفقا لشئون سبيسر المتحدث باسم البيت الأبيض، فإن الرئيس ترامب سوف ينتهز أى فرصة لقتال داعش، حتى بالتنسيق مع روسيا، وقال «إذا كانت هناك فرصة لقتال داعش مع أى دولة سواء كانت روسيا أو غيرها، فبالطبع سوف نأخذ هذه الفرصة». وهنا كشف المتحدث عن أن مكالمة ترامب والسيسى تناولت استمرار المساعدات العسكرية لمصر، وفى هذه النقطة فإن «تسليم الجيش المصرى وتعزيز المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر» فى عهد ترامب قد تحمل «رسالة سياسية» تؤشر على نوعية التحالف فى ذهن الإدارة الأمريكية. وهنا فإن تقديم مساعدات عسكرية بقيمة 30 مليار دولار لمصر مثلما قدم أوباما لإسرائيل ستكون «رسالة واضحة» على جدية الرغبة فى التحالف، ويمكن للبلدين استئناف «مناورات النجم الساطع»، كما أن مصر بحاجة إلى نقل التكنولوجيا فى مجال تصنيع السلاح، وحان الوقت لخطوة مماثلة لتصنيع الدبابة الأمريكية فى مصر.
ومن ناحية أخري؛ فإن ترامب هو من سعى للقاء السيسى فى أثناء الحملة الانتخابية الرئاسية، ولقد تجاوب الرئيس المصرى والتقاه فى نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. ومن المفيد أن نستعيد ما قاله ترامب للرئيس السيسي، فقد أكد دعمه القوى «للحرب على الإرهاب» فى مصر، وتعهد بأن الولايات المتحدة الأمريكية ستكون «صديقا وفيا» يمكن أن تعول عليه مصر. وأحسب أن مصر سوف تقدم رؤية عملية وواقعية لإعادة الحياة لمسألة «التسوية التاريخية» للقضية الفلسطينية، وهنا لابد أن يدرك ترامب أن «خطوة نقل السفارة» إلى القدس، أو تشجيع الاستيطان سوف يشعل الوضع، ويدعم داعش، ويقوض استقرار النظم المعتدلة الراغبة فى السلام لمصلحة دعاة الفوضي، والمنظمات والجماعات الإرهابية.
وأحسب أن إدارة ترامب يمكنها أن تعمل مع مصر، ولكن انطلاقا من رؤية ترامب الواضحة التى تقول إن واشنطن سوف تهتم بالحلفاء، ولكن عليهم أن يدفعوا «نصيبهم العادل» من العبء. فإن القاهرة هى أيضا لديها الرؤية نفسها فيما يتعلق بضرورة أن يساعد الشركاء والحلفاء فى تخفيف العبء عنها، وهنا فإن مصر ليست فى ثراء واشنطن والحلفاء الأوروبيين وفى اليابان وكوريا الجنوبية والآسيان ودول الخليج. وأحسب أن واشنطن من مصلحتها أن تساعد القاهرة فى 4 مجالات مهمة.. أولا: الإسهام فى خطة مساعدات عاجلة بمئات المليارات (30 مليار دولار) للدول التى تضررت من طوفان الهجرة، سواء مصر أو الأردن أو لبنان.. ثانيا: المساعدة فى التوصل إلى «تسوية عادلة» تحفظ الحقوق التاريخية للدول فيما يتعلق بما بات يعرف بأزمة من النهضة، والإسهام فى إغلاق هذا الملف، والعمل على دعم المشروعات الخاصة بالحفاظ على المياه المهدرة، سواء فى دول حوض النيل أو فى الكونجو. وبذلك يمكن لواشنطن أن تبرهن على صداقتها لمصر ودول إفريقيا بدلا من ترك الساحة للصين وحدها.
ثالثا: المساعدة فى وضع آلية لإعادة الإعمار فى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وذلك من خلال مؤتمر دولى فى شرم الشيخ ـ مدينة السلام ـ من أجل الحصول على تعهدات بـ150 مليار دولار على مدى 3 سنوات لمصلحة مشروعات إعادة الإعمار والنهوض فى دول المنطقة، خاصة التى تعانى وتمثل فرصا وهى مصر وليبيا وسوريا والعراق والأردن والأراضى الفلسطينية، وهذه الآلية السنوية يمكنها أن تمثل «رسالة أمل» لشعوب المنطقة، والشباب بصفة خاصة. كما يمكن أن تعقد بالتوازى جلسات عمل لكبرى شركات البناء والبترول والطاقة وغيرها من أجل تسوية مشروعات كبرى تربط ما بين هذه الدول، ومن هنا يمكن إنعاش الاقتصادات الدولية، وإعطاء دفعة قوية للنمو بعبيدا عن الخراب والدمار.
رابعا: حان الوقت لإجراء مراجعة شاملة لجهود «الحرب على الإرهاب»، وأغلب الظن أن تحالفا ما بين الدول الراغبة والفاعلة بات ضروريا. وفضلا عن ذلك لابد من بدء عملية مشاورات تحت مسمى «الدول المتحالفة لمواجهة شاملة ضد الإرهاب»، بحيث تتم دراسة الأبعاد المختلفة للظاهرة الإرهابية، وذلك وصولا إلى عقد مؤتمر دولى لمكافحة الإرهاب يتبنى بالفعل «حزمة عملية» ضد الدول المؤيدة والداعمة للإرهاب، وإعداد قائمة سوداء بالمنظمات الإرهابية. وهنا فإن الأنباء التى ذكرتها «نيويورك تايمز» عن أن هناك أمرا تنفيذيا قيد النظر من قبل أدارة ترامب من شأنه أن يوجه وزير الخارجية الأمريكية ريكس تيلرسون، لتصنيف جماعة الإخوان كمنظمة إرهابية أجنبية هى «خطوة مهمة» ويبقى أن الرهان الأمريكى على الرئيس السيسى هو فى نهاية المطاف «رهان على قدرات مصر» وإمكاناتها وتأثيرها فى المنطقة، إلا أن مصر لها شروطها الخاصة، ولعل أبرزها حرصها على «استقلال القرار السياسي»، والتأكيد دوما على أنها «شريك حر» فى قضية عادلة، وأنها دوما «قوة للبناء» وتشييد الحضارة ونشر الوعى لا الإرهاب والتطرف والخراب والدمار. وأحسب أن هذه «روح مصر» ورسالتها على مر العصور، وبالقدر الذى تمتد أيدى الآخرين للبناء؛ فإن «اليد المصرية» ستكون ممدودة للجميع.. وهنا لابد من الانتباه إلى أن مصر باقية على مر الزمن، فى حين يرحل كل الذين تآمروا عليها أو لم يقدروها حق قدرها.