إذا كانت ثورة 25 يناير 2011 قد عبرت عن رغبة المواطنين في التغيير وبناء المستقبل.. فإن الأمر يتطلب ونحن في عام 2017 أن نسأل أنفسنا وبصدق عن الطريقة والأسلوب الذي تتحقق به أهداف الثورة وحماية الوطن والقضاء علي الجرائم الدنيئة التي تحاول تعطيل المسيرة وزيادة حجم الديون وخدمة أعباء الدين الذي وصل إلي 100% من حجم الناتج المحلي الإجمالي.
وأن يكون هذا السؤال بعيداً عن حالة الانقسام والتراشق التي يشهدها المجتمع الآن بين أنصار 25 يناير و30 يونيه إذا أردنا أن نتقدم إلي الأمام ولا نتراجع إلي الخلف!!
المشهد علي الساحة يؤكد وجود معاناة يومية في الأمور المعيشية للمواطنين بسبب ندرة السلع وزيادة الأسعار يوماً بعد يوم بشكل يفوق الدخل والإمكانات لأبناء مصر المحروسة!!
وحتي نقترب أكثر من الصورة في المجتمع نجد أن طارق عامر محافظ البنك المركزي كشف بعض الأرقام التي تعبر عن الحالة الاقتصادية التي نمر بها موضحاً أن إيرادات الدولة من النقد الأجنبي في قطاع السياحة تراجعت من 11 مليار دولار عام 2011 إلي 4.3 مليار فقط عام 2016 وأن الصادرات تراجعت وانخفضت لـ 19 ملياراً وكانت 24 ملياراً.. أما الواردات فقد قفزت إلي 57 مليار بدلاً من 49 فقط!!
هذه الأرقام مجتمعة تدعونا إلي ضرورة الدعوة إلي تنمية القدرات الذاتية للخروج من عنق الزجاجة وتوفير احتياجاتنا المعيشية.. وسأضرب نموذجاً بـ 3 سلع أساسية نحتاج إليها وهي:
* الأسماك: وأتساءل هل من المعقول أن يكون لدينا مسطحات مائية تصل إلي 13 مليون فدان موزعة بين نهر النيل والبحيرات وسواحل البحرين الأحمر والمتوسط ورغم ذلك لا نحقق الاكتفاء الذاتي من الأسماك ولا أقول نصدر.
الأرقام تؤكد أننا نستورد 296 ألف طن لتغطية الاحتياجات.. وأن حالة البحيرات عندنا بل ونهر النيل تعاني من التلوث وحالة الأسماك بها لا تسر عدو اً ولا حبيباً.. وأننا نحتاج إلي رؤية شاملة لتنمية هذه المساحات الشاسعة بالإضافة إلي الاهتمام بمجال الاستزراع السمكي لحل مشاكلنا وتوفير وجبة سمك جيدة خالية من الأمراض وبأسعار معقولة؟!
* اللحوم الحمراء: استهلاكنا يصل إلي 10 ملايين طن والنسبة الأكبر منها يتم تغطيتها عن طريق الاستيراد و40% فقط من الإنتاج المحلي.
المفروض أن يكون لدينا برنامج لتحقيق الاكتفاء الذاتي من خلال دعم المربين وتوفير الأعلاف وتحويل المشروع القومي لتربية مليون رأس ماشية خلال عدة سنوات إلي واقع عملي علي أرض الواقع.. حتي نحقق السيطرة الفعلية علي القفزات المتلاحقة في أسعار هذه السلعة!!
* القمح: يصل حجم الاستهلاك إلي 19 مليون طن سنوياً تقريباً والإنتاج المحلي 7 ملايين طن وبالتالي يتم تعويض الفارق بالاستيراد.
صحيح أن مصر الآن هي أول دولة في العالم تنجح في زراعة هذا المحصول الاستراتيجي مرتين في العام.. حيث تم حصاد العروة الأولي الشتوية منذ أيام بالحقول الاسترشادية في منطقة التل الكبير.. وبقي أن تتوسع في هذا الاتجاه الذي يوفر 45% من الاحتياجات المائية فضلاً عن إمكانية سد العجز في هذا المحصول الاستراتيجي وتوفير أكثر من 3 مليارات جنيه سنوياً تخصص للاستيراد.
الأمر هنا يتطلب جذب الفلاح لهذا الاكتشاف المبتكر وتوعيته وإرشاده لكي يقبل علي هذه النوعية من الزراعة والتي لا تؤثر علي زراعات أخري وتتيح لنا إنتاج القمح مرتين إحداهما في الشتاء والأخري صيفاً في مايو كالمعتاد.. فهل نفعل وهل توفر التقاوي للمزارعين الراغبين ونجذبهم؟!
الحقيقة أننا من هذه النماذج الثلاثة فقط يتبين لنا أننا نعاني من فجوة استيرادية في جميع السلع الضرورية للغذاء.. ونفس الأمر يحدث في مجال الصناعة التي تدهورت أحوالها وباتت هي الأخري تحتاج إلي خطة عاجلة للتنمية والتحديث لتحقيق الاكتفاء الذاتي بدلاً من الاستيراد.. وبالتالي فعلينا ونحن نحتفل بذكري الثورة أن نقف وقفة مع النفس.. وأن ندرك سوياً أن تحسين أحوالنا المعيشية مرهون بسواعدنا لتنمية القدرات الذاتية والموارد المتاحة وهزيمة الروتين والفساد.. ولا نكتفي بمطالبة الحكومة وحدها بالعمل.. فيد واحدة لا تصفق!!
صحيح أن المسئول التنفيذي مطالب بالشفافية وشرح الحقائق ووضع الخطط والبرامج للخروج من الأزمات.. لكننا وعلي الجانب المقابل كشعب مطالب بالإنجاز في كل موقع وبالجهد الفعال لكي نصل سوياً للمطلوب.. مع رقابة الأداء الحكومي ورفضه إذا كان دون المستوي مثلما يحدث من بعض الوزراء الحاليين والمرتقب تغييرهم.. فهل نفعل؟
.. أتمني.