مر أسبوع كامل علي صدور حكم المحكمة الإدارية العليا النهائي والتاريخي الذي يقضي بإلزام الحكومة المصرية باتخاذ الاجراءات القانونية لمقاضاة إسرائيل دوليا علي الجرائم التي ارتكبتها بحق الأسري المصريين خلال حربي 1956 و1967 وحرب الاستنزاف.. وتعويضهم وتعويض أسرهم عما لحق بهم من جرائم قتل وتعذيب.. ومع ذلك لم نسمع أو نقرأ عن اجراء واحد اتخذته الحكومة في هذا الاتجاه استجابة للحكم وتنفيذا لكلمة القضاء.. بالعكس تم تجاهل الحكم تماما والتعتيم عليه.. والتزمت الحكومة الصمت.. وكأن شيئا لم يكن.. وكأن حكما قضائيا واجب النفاذ لم يصدر.
الغريب أن هذا الحكم يشبه في تفصيلاته حكم جزيرتي تيران وصنافير.. فقد جاء ردا علي الطعن الذي تقدمت به الحكومة علي حكم أول درجة الذي اصدرته محكمة القضاء الإداري الذي قضي بإلزام الحكومة باتخاذ الاجراءات القانونية لمقاضاة إسرائيل قصاصا للأسري.. وقد صار حكم الإدارية العليا باتا ولا يجوز الطعن عليه.
والشكر واجب هنا للصديق الأستاذ وحيد الأقصري المحامي رئيس حزب مصر العربي الاشتراكي الذي جاء الحكم تتويجا لنضاله وكفاحه علي مدي 16 عاما مضت.. وللزميل والصديق الأستاذ مختار عبدالعال نائب أول رئيس تحرير المساء الذي تابع القضية صحفيا في كل مراحلها.. ووضعها في دائرة الاهتمام العام في الوقت الذي تجاهلتها الصحف ووسائل الإعلام.. وفي أحسن الأحوال وضعتها علي الهامش.
يقول الأستاذ الأقصري إنه قدم للمحكمة أوراقا ومستندات وأفلاما وثائقية تضمنت اعترافات لمجرمي الحرب الإسرائيليين بارتكاب أبشع الجرائم اللاإنسانية ضد الأسري المصريين في وسائل اعلامهم وفي جميع وسائل الاعلام الدولية.. ومن هذه الأدلة الفيلم الوثائقي الذي تمت إذاعته في التليفزيون الإسرائيلي بعنوان "روح شاكير" الذي يصور ويوثق قتل 250 جنديا مصريا من أسري الحرب لدي الكيان الصهيوني.. علاوة علي أدلة ووثائق قتل تعذيب الأسري الآخرين من العسكريين بعد وقوعهم في الأسر عامي 56 و..67 وقتل وتعذيب المواطنين المدنيين الذين ليست لهم صفة عسكرية من الموظفين والعمال والأفراد العاديين.. ناهيك عن المجازر الوحشية في حق أبناء مصر وقتل المدنيين في مدن القناة وتدمير مساكن وممتلكات المواطنين عام 1967 وفي أثناء حرب الاستنزاف.. وهي جرائم تشكل جرائم حرب وإبادة للجنس البشري.
* هل تمنع معاهدة السلام مصر من القيام بواجبها في مقاضاة إسرائيل والحصول علي التعويضات اللازمة للأسري؟!
ـ لا أظن.. والمادة الثانية من المعاهدة تنص علي أن يتفق الطرفان علي إنشاء لجنة مطالبات للتسوية المتبادلة لكل المطالب المالية.. وبموجب المعاهدة يحق لمصر تفعيل هذه المادة.. وتشكيل لجنة لتعويض الأسري والمدنيين الأحياء الذين تعرضوا لجرائم حرب وتعويض ذوي الأسري والمدنيين الذين قتلوا أثناء الحروب مع إسرائيل.. والأهم المطالبة بمحاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين.
وقد قامت حكومتنا في ظل نظام حسني مبارك.. وفي ظل معاهدة السلام.. بدفع تعويضات لإسرائيل عام 1988 عن الجنود السبعة الإسرائيليين الذين لقوا حتفهم علي يد الجندي المصري سليمان خاطر علي الحدود.. لكن علي الجانب الآخر لم تحرك هذه الحكومة ساكنًا بعد صدور حكم أول درجة من القضاء الإداري بتعويض أسرانا وقامت بالطعن عليه أمام الإدارية العليا.
* وما الحل إذا استمرت الحكومة في تخاذلها وتجاهلت الملف تماما؟!
ـ بداية يجب علي السلطة التنفيذية أن تحترم الحكم وتقوم بتنفيذه حفظا لحقوق وكرامة الأسري المصريين.. وحتي لا تضع نفسها تحت طائلة القانون ـ المادة 123 من قانون العقوبات ـ الذي يقضي بالحبس والعزل لكل موظف عام يمتنع عن تنفيذ حكم قضائي بات ونهائي.. خصوصا ان قواعد القانون الدولي "الإنساني" والاتفاقيات الدولية كفلت حماية الأسري والجرحي كما كفلت حماية المدنيين أثناء الحرب.. واشترطت معاملتهم معاملة حسنة.
أما إذا استمر التخاذل فبإمكان النائب العام أن يتحرك بصفته محامي الشعب.. وكذلك المجلس الأعلي لحقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني المعنية ورابطة أسر الشهداء.. وحتي لو تحركت أسرة واحدة من أسر الأسري بدعم شعبي فسوف تحرك المياه الراكدة.
المهم أن يعلو صوت مصر في المطالبة بمقاضاة مجرمي الحرب الإسرائيليين.. ولا يتصور أحد أن هذه الجرائم ستسقط بالتقادم.