جمال سلطان
هل تدفع القدس ثمن صداقة السيسي وترامب ؟
شعرت ، كما شعر كثيرون في مصر وخارجها ، بالإحباط من تعليق الرئيس عبد الفتاح السيسي على الأفكار الشيطانية التي يروجها الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب بخصوص وضع مدينة القدس الشريف ، وقراره الذي أعلن فيه نيته نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس ، اعترافا منه بها عاصمة للدولة اليهودية ، رغم خطورة هذا الأمر ومخالفته لكل ما صدر عن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي ، والموقف الحاسم والشامل لجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي ، وقبل هؤلاء جميعا الضمير العربي والإسلامي الذي يرفض بشكل صارم أي محاولة لتهويد القدس وبسط الهيمنة الإسرائيلية عليها ، وقطع الطريق على مولد دولة فلسطينية ، وأن وضع القدس شديد الحساسية للجميع . في مؤتمر الشباب الذي عقده السيسي في أسوان لما سألوه عن هذه الأزمة ظل يناور بالكلام وبطريقة محبطة للغاية ، دون أن يقول شيئا مهما عن موقف مصر الرسمي تجاه هذه الكارثة ، وما قاله نصا هو : (نحن منتبهون بما يقال عن هذا الموضوع منذ وقت مبكر، ولا نريد أن تتعقد الأمور بخصوص السلام في الشرق الأوسط... وتحقيق السلام للفلسطينيين نقطة فاصلة في المنطقة) ، ثم أضاف : (نود أن نوصل هذه الرسالة لكل العالم، وللمسؤولين الإسرائيليين والأمريكيين، ومن المهم جدا إتاحة فرصة لإيجاد حل لهذه القضية دون تعقيد ...لن أقول أكثر من ذلك في موضوع السفارة، لكن نحن نبذل جهودا حتى لا يزداد هذا الأمر تعقيدا خلال الفترة المقبلة، ونتمنى أن نوفق في ذلك) . في كل هذه العبارات المطاطة والتي لا تحمل أي موقف لا تعرف موقف مصر الرسمي ولا قرار الرئيس تجاه هذا العدوان الإجرامي الذي يخطط له ترامب ، كل ما قاله الرئيس أشبه بالتحليل السياسي للأزمة واحتمالاتها وانعكاساتها على العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية وهو ما يمكن أن تسمعه من باحث بمركز الأهرام للدراسات مثلا ، وفي أحسن الحالات يمكن تصور سماع هذا الكلام من ديبلوماسي يعمل في هيئة أممية مثل الأمم المتحدة مثلا ، ولكنه لا يصدر عن صاحب القرار ورئيس جمهورية أكثر دولة عربية ضحت من أجل القدس وفلسطين ، كما أنه إذا كانت فلسطين ومحنة شعبها مسئولية وأمانة في أعناقنا جميعا نفتديها ـ كما افتديناها من قبل وسنظل ـ بدمائنا ، إلا إن القدس ـ تحديدا ـ تختلف عن القضية بكاملها ، لأنها ليست شأنا يخص الشعب الفلسطيني بل تخص كل مسلم وكل عربي وأيضا كل مسيحي ، فهي قضية المصري بالأساس ، ولذلك كنت أنتظر سماع موقف صارم وحاسم من رئيس الجمهورية رفضا لمثل هذه الأفكار الفاجرة والعدوانية ، وإعلانا مصريا رادعا بالغضب تجاه هذه النوايا المعلنة ، لا أن نسمع أحاديث تحليلية عن آثار هذا القرار على السلام واحتمالية إعاقته جهود التسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين . أعرف أن النظام الحالي في مصر يراهن على ترامب ويضع عليه آمالا عريضة في دعمه سياسيا واقتصاديا ، وأنا واثق من أن كل هذه أوهام ستكشف الأيام أنها كانت سرابا يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ، ولكن قلقنا الحالي من أن تكون هذه الأماني والولاءات السياسية المعلقة على ترامب مدخلا للتفريط في حقوقنا فضلا عن حقوق الأشقاء في المنطقة ، خاصة وأن مشروع ترامب الرئيسي في المنطقة ، كما أعلنه هو وأركان إدارته ، سيادة إسرائيل ومنحها السيطرة والهيمنة في الشرق الأوسط وصناعة الهيبة السياسية والعسكرية لها حسب قولهم ، وهذا كله لا يكون إلا بهواننا وإذلالنا وتفريطنا في موقعنا ومكانتنا وحقوقنا ، هذا هو المخيف ، وهذا الذي ضاعف قلقي من اللغة التي تحدث بها الرئيس السيسي عن ملف القدس في أول اشتباك مباشر مع قضية مهمة مع الإدارة الأمريكية الجديدة .