جلال دويدار
مطلوب لفاعلية الإصلاح إذاعة عوائده أولاً بأول
من المهام الذي يجب أن تضطلع بها أجهزة الحكومة في إطار ما هو منوط بها من مسئوليات ـ تقوم علي الامانة والشفافية ـ القيام بإصدار بيانات رقمية عما حققه الإصلاح الاقتصادي علي ضوء ما تم اتخاذه من اجراءات. من المؤكد أن هذه البيانات سوف تحتوي علي مؤشرات إيجابية تؤدي إلي التشجيع والتحميس بأن هناك عائداً وفائدة محققة من وراء الاجراءات والتضحيات التي يتحملها الشعب. ان سكوت الحكومة وصمتها عن اعلام الناس بهذه الحقيقة تجعلهم يقعون ضحايا لليأس القائم علي أن »ما فيش فايدة».
هذه المهمة منوطة بالبنك المركزي والوزارات المعنية مثل التجارة والصناعة والتموين والبترول والتخطيط والاسكان بالتعاون مع الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء ومركز المعلومات بمجلس الوزراء. هناك توقع بإيجابية هذه البيانات والارقام - حتي إذا لم تصل إلي ما يجب فيما يتعلق بسرعتها. كما هو معروف عالميا فإن ارتفاع تكلفة الاحتياجات اليومية للمواطن يترتب عليها بالتالي خفض الاستهلاك تحقيقا للتوازن مع ما يحصل عليه من دخل. في هذا الشأن فإنه من المتوقع في الحالات الطبيعية ان تنعكس هذه النظرية علي حجم الاستيراد وعلي الاستهلاك الوقود والمياه والكهرباء في ظل الزيادات علي اسعارها التي صاحبت اجراءات الاصلاح الاقتصادي.
طبعا فإن هذا النقص في الاستهلاك سوف يقابله من ناحية اخري زيادة في تكلفة واسعار كل شيء سواء كانت سلعا وخدمات محلية أو منتجات ومستلزمات مستوردة.. هذا المشهد مرتبط أيضا بالقيمة الشرائية للعملة المحلية »الجنيه» تجاه العملات الاجنبية هذا الامر يؤدي إلي زيادة معدلات التضخم وقد يكون من أسبابه لجوء الدولة لطبع البنكنوت دون توافر غطاء انتاجي أو ذهبي للموازنة، علي هذا الاساس ومع أخطاء دولة ما بعد ثورة ١٩٥٢ التي تمثلت في التصرف فيما كان لدينا من غطاء ذهبي.. كان البديل لتدارك التدهور.. العمل علي ارتفاع حجم الانتاج والتصدير. القوانين غير المدروسة التي تم اصدارها في هذه الفترة.. كانت عائقا وسداً منيعا أمام معالجة ماترتب من اوضاع اقتصادية تراكمت علي مدي سنوات وسنوات منذ ذلك الوقت .
علي ضوء هذه الصورة القاتمة القائمة علي الوهم والتي كنا نعيشها منذ سنوات وتجري التغطية عليها بالاماني والوعود »الفشنك» .. اختارت القيادة السياسية بعد ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣ مواجهة هذه الحقيقة الصادمة. إنها والتزاما بالشجاعة والشفافية والمصارحة أقدمت علي تبني استراتيجية الاصلاح الاقتصادي الجذري لحل مشكلة التخلف وعدم التقدم إلي الامام. كانت تعلم وفي اطار التزامها بتحقيق الصالح الوطني ان الطريق سوف يكون صعبا ولكنها وفي ظل إيمانها بامكانية الشعب في القبول بالتحدي سعيا إلي حياة أفضل.. لم تتوان عن بدء خطوات الاصلاح الاقتصادي .
إن دعم ومساندة هذا التحرك ـ الذي يجب أن يكون علي أسس سليمة ـ سوف يؤتي ثماره في تحقيق الحياة الكريمة التي نتطلع إليها ونتمناها علي المدي المتوسط والبعيد. العائد الايجابي لهذ الإصلاح.. مرهون بالتحمل لبعض الوقت الذي لن يكون طويلا بإذن الله. إن اختصار فترة المعاناة مرتبط بالانجازات وإقبال كل ابناء الشعب علي العمل والانتاج. يجب أن يؤمن الجميع بأن لا حياة كريمة بدون هذا العمل وهذا الانتاج. توافر هذين العنصرين هما الوسيلة الوحيدة للوصول بالدولة المصرية إلي بر القوة والامان سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.
ضمان هذا المستقبل الموعود يتطلب مواظبة الدولة علي إعلان المحصلة الإيجابية لما تم إنجازه من اجراءات أولاً بأول لاقيمة للاصلاح ولكل ماتسعي اليه الدولة إلا باقدام الدولة ومن ورائها كل اطياف المجتمع علي عمل كل مايمكن لتشجيع العمل والانتاج. هذا الالتزام يعد عاملا اساسيا في الارتفاع بالروح المعنوية وتعظيم التمسك بالتحدي من جانب جموع الشعب.