في مقدمة المشكلات التي يعانيها مجتمع ما. عدم الشعور بالانتماء. عدم الاحساس بالجماعية. نحن- أنا وأنت وآخرون- نشكل مجتمعاً. وقوامه أفراد. أحد وزراء التموين تمني- يوماً- لو أن كل مواطن أنقص ملعقة سكر من كوب الشاي. تصرف فردي يوفر للجماعة مئات الاطنان من السكر الذي نستورده بالعملة الصعبة. ظلت الامنية في إطار الصفة. فلم تتحقق. لأن الشعور بالجماعية غائب. مفتقد.
أتذكر حكاية السلطان الذي وضع برميلاً كبيراً في وسط المدينة. وطلب من كل مواطن ان يضع في البرميل كوباً من الزيت. ولما أتي الصباح. تبين السلطان ما في البرميل. فوجئ بالمياه تملأه. قال كل مواطن لنفسه: لو أني وضعت بدلاً من كوب الزيت كوباً من الماء. فلن يتأثر البرميل. أقدم الاخرون علي التصرف ذاته. فغمرت المياه البرميل!
التحذيرات تتعالي: حاذر علي نقطة الماء.. حافظ علي نظافة مدينتك.. لاتقطف الازهار.. لاتقطع الاشجار.. تحذيرات كثيرة. نتفهم بواعثها. نقدرها لكن التفكير الفردي الذي يملي تصرفاً فردياً. يكتفي بالتفهم والتقدير. وتظل أفكارنا وتصرفاتنا خارج محيط الجماعة. حتي لو كان اقتناعنا بالجماعة مؤكداً.
هل يؤثر تصرفي الصغير. أو إهمالي. فيما تطلبه الجماعة؟
وعندما أحصل علي فرصة غيري في طابور السينما او تذاكر القطار. ألقي بالاوساخ في الطريق. أقذف بالسيجارة من نافذة السيارة. أحاول الحصول علي مكسب لا استحقه. بل وأحاول حجبه عمن يستحقه. ألقي بعبء عملي علي المتسامح أو الاضعف.. إذ أنا فعلت شيئا من ذلك. أو كله. فأنا أفقد الانتماء. أو الضمير الاجتماعي بتعبير آخر.
الصفة نفسها تنطبق علي سائق التاكسي الذي يحصل منك علي الاجرة كاملة. ويحشر معك ركاباً آخرين. ولا يصل بك إلي المكان الذي تقصده. يقف حيث يشاء. ويشير إليك: خطوتين وتوصل مطرح ما انت عاوز!.. وسائق الاتوبيس الذي يركن السيارة. وينزل متمهلاً يعد لنفسه الطعام والشاي لا أحد يفكر في مناقشته فالاجابة الجاهزة دوماً: اللي مش عاجبه يركب تاكسي!
أهملنا الحلول الجماعية. نلجأ إلي حل المشكلات العامة بحلول فردية. الازمة الاقتصادية- مثلاً- حلها في قبول الرشوة. أو الاتجار في أي شئ. حتي الممنوعات. بدءاً بالسلع المهربة وانتهاء بالمخدرات.. من يقدم علي تبوير الارض الزراعية. يدرك جيداً خطر ذلك علي جودة الارض. والتأثير المستقبلي علي التنمية الزراعية.. ومن يبني فوق الارض الزراعية- أكثر من 96% من أرض مصر صحراء!- يدرك جناية ذلك علي مجموع مساحة الارض الصالحة للزراعة.. أزمة الاسكان حلها في تبوير الارض. وتجريفها وبناء المساكن فوقها.. أزمة المواصلات حلها في شراء السيارات الخاصة. لتعاني المدن- القاهرة بالذات- من زحام علي زحام.
مع ذلك فنحن لانخطئ. أو بتعبير أدق: لا نعترف بالخطأ الخطأ دائماً مسئولية الاخرين. إنهم هم الذين وراء كذا وكذا مما فعلناه بأيدينا أو نامت عنه أعيننا أو أهملت سماعه آذاننا.
القوانين كثيرة. لكن: من ينفذ؟؟