المصريون
جمال سلطان
هذه شهادتي في ترشح البرادعي لرئاسة الوزراء
لم يسبق لي أن التقيت مع الدكتور محمد البرادعي في أي موقف سياسي أو شخصي ، لا قبل ثورة يناير ولا بعدها ، ربما بحكم انغماسي في العمل الصحفي الذي يستغرق كامل طاقتي ، ولكني كنت شاهدا على بعض المواقف التي كان البرادعي طرفا فيها من خلال قوى أخرى وشخصيات أخرى كان هناك شيء من الود والثقة فيما بيني وبينهم ، ومن هذا المنطلق أود أن أسجل شهادتي على ما قاله البرادعي في حواره التليفزيوني الأخير الذي أثار ضجة في أحد القنوات التي تبث من خارج مصر ، والذي تعرض فيه لبعض المواقف التي حدثت في 3 يوليو 2013 وما بعدها ، وبشكل خاص ما قاله من أنه كان مرشحا لرئاسة الوزراء وأن هذا ما تم الاتفاق عليه في اجتماع البيان الشهير بعزل مرسي ، غير أن حزب النور اعترض على ترشيحه وبالتالي وجدها آخرون فرصة لإبعاده عن المنصب الذي كان أكثر أهمية من منصب رئيس الجمهورية في تلك اللحظات ، لأن الجميع كان يعرف أن وجود المستشار عدلي منصور هو وجود له طابع شرفي وبروتوكولي وأن الإدارة السياسية وقتها في الحكومة وقبضة السلطة في المؤسسة العسكرية . في الأيام التي تلت 3 يوليو أذكر أنه اتصل بي اثنان من القيادات الرفيعة في حزب النور ، وجرى حديث ـ بطلبهم ـ قالوا فيه أن الدكتور محمد البرادعي هو المرشح لرئاسة الوزارة في المرحلة الجديدة ، وأنه مطلوب رأيهم في ذلك ، واستشعرت من كلامهم أنهم يميلون إلى رفضه ، وفهمت أن هناك من طلب منهم ذلك ، وهذا الفهم اجتهاد مني استخلصته من مجرى الكلام ولم يكن صريحا في الكلام ، حتى أكون دقيقا وأمينا في النقل ، فقلت لهم أن أفضل شخصية يمكن أن ترشح لمنصب رئيس الوزراء الآن ، في تلك اللحظة التاريخية ، هو الدكتور محمد البرادعي ، ورجوتهم أن يدعموا ترشيحه ، وحذرتهم بقسوة شديدة من الاعتراض عليه أو الحيلولة دون توليه المنصب ، قالوا لي أن البرادعي علماني ، ومعظم مواقفه التي كان يقدمها في الشهور الماضية من بعد ثورة يناير فيها تحدي للمشروع الإسلامي وضد القيم الإسلامية ، فقلت لهم أن التحدي الذي تواجهه مصر الآن ليس في أي أولوية له الصراع العلماني الإسلامي ، وأن هذا تدافع فكري إنساني لا يخلو منه مجتمع ويمكن احتواؤه والتعايش من خلاله ، وأن تحديات مصر الآن تتعلق بالحريات العامة وبناء دولة مؤسسات ومدنية الدولة وحماية مكتسبات ثورة يناير وضمان الفصل بين السلطات وترسيخ العدالة ، وأن الشخصية الوحيدة التي يمكنها أن تحمل هذا كله وتحميه في تلك اللحظة هي شخصية الدكتور البرادعي ، لأنه يملك خبرات رجل الدولة ، كما أنه ليبرالي حقيقي ومؤمن بالحريات العامة وكرامة الإنسان والعدالة بكل أبعادها ، كما أنه الرمز الأهم الذي كان حاضرا في ثورة يناير ، وقلت لهم أن كل من كانوا في المشهد سيعودون إلى مؤسساتهم ، سواء الأزهر أو المحكمة الدستورية أو مجلس القضاء الأعلى أو البابا ، ولا يتبقى من المشهد المدني سوى ثلاثة ، أنتم والبرادعي وحركة تمرد ، وقلت لهم أن تمرد انتهت بانتهاء الفكرة والهدف الذي أنشئت من أجله ، كما أنها جزء من ترتيبات أخرى أنتم تعرفونها ، وشباب متواضع التفكير والخبرة ولا يصلحون للعمل السياسي المسئول ، وأنتم غير مقبولين من بقية القوى الوطنية ، بما فيها القوى التي شاركت في إزاحة الإخوان من السلطة ، وبالتالي لم يبق من رموز المشهد "المدني" سوى البرادعي . وقلت لهم أن من مصلحتكم أنتم ـ كحزب سياسي ـ أن يكون البرادعي رئيسا للوزراء ، ومن مصلحة ثورة يناير بشكل عام وكل القوى المؤمنة بها ، لأن مصر الآن بحاجة إلى توازن مؤسسي ومعادلات كافية في توزيع السلطة بما يجعل البلد تمضي في طريقها الصحيح ، وبما يحمي مدنية الدولة ، ويساعد على تحقيق السلام الاجتماعي بعد الهزة الكبيرة الحالية والانقسام السياسي الحاد ، وبما يعيد صناعة التوافق السياسي على أسس جديدة صحية وصحيحة . كان هذا تصوري ، وتقديري للموقف ساعتها ، لكني علمت بعد ذلك أن حزب النور اعترض على تولي البرادعي رئاسة الوزراء في اللحظات الأخيرة ، ولا أعرف دوافع هذا الرفض في الحقيقة ، لأن المرشح البديل حازم الببلاوي لم يكن أقل علمانية من البرادعي ، كما لا تختلف رؤاه الفكرية والقيمية عن البرادعي ، بمقاييس حزب النور ، فما المنطق أن ترفض الأول وتوافق على الثاني ، ولكن هكذا جرت الأمور ، وأعتقد أن هذا الموقف في تلك اللحظة كان حاسما في أخذ البلاد إلى وجهة أخرى تماما ، أبعد ما تكون عن ثورة يناير .

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف