الأهرام
عبد الجليل الشرنوبى
حكاية الثعلب الأمريكي والقرد الإرهابى!
يحكى أن ثعلباً اتخذ من ضرب القرد هواية، فكان كلما غدا أو راح يصفع القرد على قفاه، حتى سَئِمْ الأخير من تمادى الأول في عدوانه، فقرر أن يشكوه إلى ملك الغابة «الأسد» الذي استدعى بدوره «الثعلب» ليسأله في مظلمة «القرد» خلال جلسة سمر، ولأن علاقات القوى وموازينها، تجعل للثعلب وزناً نسبياً في إدارة شئون المملكة، فقد أسر الثعلب للملك بكون فعله مجرد هواية يمارس بها قمعاً محبباً للنفوس، لكن ملك الغابة نصحه بأن يتخذ ذريعة مقنعة حتى لا يبدو ما يفعله إجراءً قمعياً، وظل «الثعلب» طيلة الليل يفكر حتى اهتدى إلى حجته، وعندما التقى القرد قال له (إنت مش لابس الطاقية ليه؟) وناوله الصفعة المقررة، ولم تمض عدة أيام على استخدام الثعلب للحجة المفتعلة حتى عاود القرد شكواه للأسد، الذي كرر في لقاء السمر الليلي مناقشة الشكوى مع «الثعلب» الذي أطلعه على ذريعته المصطنعة (الطاقية)، فنصحه الأسد بضرورة تطوير الذريعة لتكون عبر أمر لا ينفذه القرد فيستحق في ضوء التقصير العقاب، وضرب له مثلاً بأن يطالبه بإحضار تفاحة، ويتعلل بلونها أو درجة نضجها وساعتها يفعل به ما شاء، وفي اليوم التالي التقى الثعلب بالقرد، فنادى عليه آمراً (أحضر لي تفاحة)، فسأله الأخير (حمراء أم خضراء؟)، فأجابه الثعلب متململاً (حمراء)، فتابع القرد (كبيرة أم صغيرة؟) فرد الثعلب وهو يشعر أن القرد يفوت عليه كل الفرص (متوسطة)، فأردف القرد (ناضجة أم غير ناضجة) ساعتها شعر الثعلب بأن حيله قد نفدت وكل الحجج سقطت أمام حيطة القرد، فرفع كفه ليهوي به على قفا القرد وهو يقول له (إنت مش لابس الطاقية ليه؟!). وعبر المزج بين مشاهد الحكاية والواقع، تتحول الغابة إلى كوكب اسمه «الأرض» فيما تصبح الشخصيات دولا، فالثعلب يغدو ولايات متحدة أمريكية، بينما يتقمص شخصية القرد دول يصنفها الثعلب باعتبارها عالماً ثالثاً وفي مقدمتها الدول العربية، ويستحيل ملك الغابة منظمات أممية على رأسها «الأمم المتحدة» ويصبح للصفع على «القفا» تنويعات تتخذ أشكالاً مختلفة، تبدأ بـ العقوبات، وتمتد لتصل إلى الحملات العسكرية والغارات الجوية، والعمليات الاستخباراتية الخاصة، وكلما هوت صفعة ودوى رنينها، تهاوت معها دول ودوت في الآفاق آهات شعوبها، بينما يتساءل الثعلب الأمريكي قبل كل صفعة (أنتم مش بتحاربوا الإرهاب ليه؟!).

خلال النصف الأخير من القرن المنصرم، كان الثعلب الأمريكي يتجول في أرجاء العالم صانعاً (الطاقية) التي سيطالبنا بارتدائها مع مطلع الألفية الجديدة، ولهذا لا مجال للدهشة عندما نكتشف أن تنظيم الإخوان وهو أبو تنظيمات الإرهاب في العالم، اتخذ من أراضي الولايات المتحدة الأمريكية مأوى له، حتى إن الوثائق الإخوانية تؤكد أن حواراً مباشراً أجراه مؤسس التنظيم حسن البنا مع ممثل للإعلام الحربي الأمريكي مطلع عام 1946، وخلاله عرض البنا على الإدارة الأمريكية أن يكون الحليف في مواجهة (الاستبداد المحلي والمد الشيوعي)، ووصل العرض إلى أن يكون حليفاً عسكرياً حال تمكنه من الحكم وبديلاً للمحتل الغربي على أن يكون التدخل العسكري ممكناً حال الطلب!.

وبحسب شهادة الباحث الأمريكي (ستيفن ميرلي) فإن الثعلب الأمريكي بدأ في احتضان (مَشْغَل الطواقي) التي سيوزعها على عالمنا مستقبلاً، عبر احتضان أنشطة التنظيم الإخواني على الأراضي الأمريكية منذ ستينيات القرن الفائت ليستمر إلى يومنا هذا مطوراً هياكله ومؤسساته ومنمياً لاقتصاده وموارده. ويبدأ التنظيم الإخواني -مشغل الطواقي- بدعم أمريكي متنام، في تنويع منتجاته لتتخذ أشكالاً وألواناً مختلفة، فتصبح (الجماعة الإسلامية) أو (الجهاد) أو (القاعدة) أو (داعش) أو (ولاية سيناء) أو (حسم)، وبينما تتعدد المسميات يظل المنتج واحداً (طاقية) سرعان ما يستخدمها الثعلب الأمريكي ذريعة ليهوي بها على قفا العربي -القرد- الذي لا يملك أمام قناعته إلا اللجوء إلى ملك الغابة العالمية -المنظمات الأممية- التي بدورها تطالبه بضبط النفس!

استطاع الثعلب الأمريكي خلال العقود الثلاثة أن يطور (الطاقية)، عبر دعم الاستبداد في أرجاء المنطقة، ليكون منصة إطلاق الصفعات الأولى على (القفا) العربي، تحت مسمى (التحرير) تارة، و (الربيع العربي) ثانية، ثم (الحرب على الإرهاب) تارة أخرى، وبدأ بالسودان والصومال، مروراً بالعراق فليبيا وسوريا ثم اليمن. ومع وصول الرئيس الخامس والأربعين للبيت الأبيض بالولايات المتحدة الأمريكية، دونالد جون ترامب، يبدأ فصل جديد في علاقة ثعلب كوكب الأرض بقرده، إذ ارتدى الثعلب ثوب الناقم على ما كان من أسلافه الثعالب، وقرر أن يكفر عن خطاياهم في حجج الصفع المنوعة، وإعادة الأمر إلى أصله ليكون على كل قرد أن ينتظر (صفعة) غير مبررة، ولتتحول الصفعة إلى واجب مقدس باعتباره قربان القبول في بلاط الثعلب الغاضب نافذ الصبر. إن لعبة الثعلب مع القرد، تتحول على يد «ترامب» إلى واقع يتجاوز كل مبررات الصفع القديمة، وبتطوير لاستخدام تنظيمات الإرهاب كذريعة التهام، لتغدو الإنسانية على أعتاب فصل جديد في سجل تاريخها، يحتم عليها أن تنطلق من غريزة البقاء صوب امتلاك أسباب الممانعة لتطلعات الثعلب العجوز، الذي لا يشبع نهمه مجرد الصفع بل يتعداه إلى انتزاع أفئدة الحياة، وبالتأكيد ستغدو الحكاية شديدة الرعب إذا ارتضى القرد أن يلوك قلبه ثعلب!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف