الأهرام
فتحى محمود
الثقافة .. وحرب الأفكار
ضرب عقد المؤتمر الشهرى للشباب بأسوان ألف عصفور بحجر واحد، وكان فرصة مهمة لإطلاق عملية شاملة لتنمية محافظات الصعيد، وفرصة أهم لتفاعل الشباب مع القيادة السياسية والقيادات التنفيذية وزيادة حجم الثقة بينهم، لكن الصعيد لا يحتاج فقط إلى مشروعات بنية أساسية ومناطق صناعية وتوفير فرص عمل لأبنائه، وإنما يحتاج أيضا إلى جهد ملموس لرفع درجة الوعى العام ودفع حركة التطور الاجتماعى، وهو أمر لن يتحقق إلا بالاهتمام بالثقافة ونشر الوعى المعرفى هناك.

وفى حوار مهم أجرته الزميلة الأستاذة غادة الشرقاوى فى «الأهرام» منذ أيام مع السفير عبدالرءوف الريدى قال:

إن الرئيس عبد الفتاح السيسى لديه رغبة شديدة فى محاربة الإرهاب والتطرف الدينى ومنها دعوته لتجديد الخطاب الديني، ولكن فى اعتقادى أن الموضوع أكبر من تجديد الخطاب، الموضوع موضوع فكر، حتى كلمة الحرب على الإرهاب لا تعجبنى لأنها توحى بالعنف، وسأعطيك مثالا، مصر من أفقر الدول من حيث عدد المكتبات العامة وهناك قرى بأكملها لا يوجد بها مكتبات ومعقل للأفكار المتطرفة، لو وجدت مكتبات بكل هذه الأماكن فسيتغير الوضع وتتفتح مدارك هؤلاء ، تغيير الأفكار والتعليم عامل مهم جدا، وأنا لدى فكرة إطلاق مبادرة لإنشاء ألف مكتبة، ويكون هناك إشراف على ما يقدم من مادة داخل هذه المكتبات. وأضاف هناك مقولة أمريكية أطلقت وبدأت تنتشر وهى «الإرهاب حرب أفكار»، وهذا هو جوهر الحرب على الإرهاب.

هذه الكلمات للسفير الريدى تؤكد مدى أهمية الثقافة فى مواجهة التطرف، وصحة شعار أن «الإرهاب حرب أفكار»، لكن الأمر أكبر بكثير من مجرد نشر مكتبات، فالقرى والنجوع خاصة فى الصعيد بحاجة إلى منظومة متكاملة من الأنشطة الثقافية المختلفة من فنون وآداب بجميع الأشكال، وهنا لابد أن يتبادر إلى الذهن الدور المفقود لهيئة قصور الثقافة.

وطبقا للتعريف الرسمى لهذه الهيئة المنشور على موقعها الإلكترونى فهى إحدى المؤسسات الثقافية ذات الدور البارز فى تقديم الخدمات الثقافية والفنية. وهى هيئة مصرية تهدف إلى المشاركة فى رفع المستوى الثقافى وتوجيه الوعى القومى للجماهير فى مجالات السينما والمسرح والموسيقى والآداب والفنون الشعبية والتشكيلية وفى نشاط الطفل والمرأة والشباب وخدمات المكتبات فى المحافظات. وقد أنشئت فى بادئ الأمر تحت مسمى الجامعة الشعبية عام 1945، ثم تغير اسمها فى سنة 1965 إلى الثقافة الجماهيرية. وفى عام 1989 صدر القرار الجمهورى لتتحول إلى هيئة عامة ذات طبيعة خاصة وأصبح اسمها الهيئة العامة لقصور الثقافة.

والحقيقة أنه لو كانت الهيئة ومن خلفها وزارة الثقافة تقوم بهذا الدور بالضبط، لما كنا نعانى الآن من انتشار الأفكار المتطرفة، لكن التعامل مع الدور الثقافى فى مصر بعقلية الموظفين أفقد هذا الدور تأثيره على المصريين، ونجحت تيارات وافدة فى التأثير على الهوية المصرية.

وقد سبق أن أكد كثير من المثقفين والمبدعين إن الثقافة الجماهيرية إذا توافرت لها الأسس السليمة والقوانين المناسبة فستكون قادرة على نقل الثقافة الجماهيرية من دور المنتج إلى الساحات الكبرى المحتضنة لكل الآداب والفنون، وأنها المؤسسة الوحيدة التى يملكها الناس، فوجودها وتوجهاتها وخدماتها تقدم لكل أفراد الشعب، ويمكن لها أن ترسل قوافل ثقافية تجوب القرى النائية حاملة منتجات ثقافية من مسرح وأفلام وأغان وقصائد وأمسيات موسيقية.

ولكن أين هو هذا الدور ولماذا لا يشعر به أحد، ببساطة لأن معظم قصور الثقافة والمبانى التابعة لها والتى يصل عددها إلى نحو 530 مقرا ما بين قصور وبيوت ومكتبات لا يقدم منها خدمة ثقافية حقيقية سوى نحو 50 مقرا فقط، والباقى يعانى من الإهمال والبيروقراطية، دون أى نشاط إبداعى حقيقى، أو محاولة للوصول إلى الشباب فى القرى والنجوع، مع تراجع مخيفً فى الأداء على المستوى المعرفى والإبداعى والإدارى، رغم أنها تستطيع بتنشيط الفرق المسرحية وفرق الفنون الشعبية وفرق الآلات الشعبية والإنشاد الدينى والموسيقى العربية وأندية المسرح وأندية الأدب وأندية المرأة والطفل إحداث ثورة ثقافية فى مصر.

كما أننا لا نفهم لماذا لا تنظم وزارة الثقافة قوافل فنية وأدبية إلى القرى بمختلف المحافظات وخاصة فى صعيد مصر، وقد سبق أن لعبت القوافل الفنية دورا كبيرا فى معارك مصر دائما، ففى عام 1955 أقيم أسبوع بعنوان «أسبوع التسليح»، تحت رعاية عدد من الفنانين على رأسهم تحية كاريوكا، بعد قرار جمال عبدالناصر كسر احتكار السلاح والتحول إلى المعسكر الشرقى لتسليح الجيش، وكانت الحملة عبارة عن صندوق كبير تحمله سيارة نقل، وبصحبته أحد الفنانين المتطوعين، يجوبون به المناطق والأحياء لجمع التبرعات من أجل الجيش.

وبعد نكسة 1967 أُطلقت حملة التبرع من أجل إعادة تسليح الجيش المصري، ولاقت رواجًا كبيرًا آنذاك، وشارك بها عدد كبير من كبار رجال الدولة، والمثقفين والفنانين منهم تحية كاريوكا وعبدالحليم حافظ وعدد من الشعراء والكتاب والممثلين مثل فاتن حمامة وفريد شوقى وغيرهما، وكان على رأسهم سيدة الغناء العربي، أم كلثوم، التى تبرعت بمجوهراتها الشخصية وأجر حفلاتها لصالح الجيش.

لماذا لا ننظم مثل هذه الحملات فى المحافظات الآن، ليس من أجل جمع التبرعات ولكن من أجل إيقاظ الوعى القومى والارتقاء بالذوق العام ومواجهة الأفكار المتطرفة، ولا ننسى تجربة الفنان عادل إمام بالمسرح عندما سافر خصيصا إلى اسيوط ليعرض مسرحيته هناك ردا على هجوم حوادث المتطرفين منتصف الثمانينيات، وكانت رحلة مهمة لمواجهة طيور الظلام الارهابى آنذاك.

إن فنانى وأدباء ومثقفى مصر جميعا مستعدون للقيام بأى عمل لمواجهة التطرف فى القرى والنجوع، إذا كانت هناك جهة تستطيع تنظيم مثل هذا العمل ، بعد أن تخلت وزارة الثقافة عن مسئولياتها الحقيقية، وتفرغ المسئولون عنها للتصريحات الوردية فقط.

> كلمات:

من الجميل أن يكون لديك صديق كلما أتيت له متكدرا رجعت منه صافيا, وكلما قدمت إليه ضعيفا عدت منه أقوى.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف