عباس الطرابيلى
احترام الوقت.. بداية التقدم
هل نحن شعب لا يحترم الزمن رغم أننا نحرص على ارتداء الساعة.. وفى بيوتنا العديد من الساعات، أى آلات قياس الزمن.. وهل نحن أحفاد القائلين: الوقت من ذهب، إن لم تقطعه قطعك.. أم أننا الآن لسنا مثل الأجيال القديمة.. أيام ساعة اليد أم كاتينة فضة.. وكان الطالب إذا نجح يحلم بأن تكون الساعة هى هديته من الأب أو الأم؟!
أكاد أقول ذلك.. فلا أحد منا يحترم الزمن. ونظرة إلى أخطر ما فينا الآن وهو ضياع نصف ساعات اليوم فى الذهاب والعودة إلى العمل.. أما العمل نفسه فلا نمضى فيه نصف ما نمضيه فى وسائل المواصلات!!
وتسأل المصرى: متى ألقاك؟.. فتكون إجابته: بعد العشاء.. رغم أنه يعلم أن الوقت بعد العشاء يمتد إلى ساعة الفجر!! وتسأله أن يأتيك لأمر مهم، فيرد خمس دقائق وأكون عندك.. أو أن يقترب منك صديق وهو يرجوك: دقيقة واحدة لتستمع إليه.. بينما حكايته - عندما يرويها - تستمر العديد من الدقائق.. وليس على لسان كلنا إلا تعبير واحد: دقيقة وأكون عندك.. بينما هو مازال ربما يتمدد فى فراشه!! أقول ذلك رغم أن العرب هم أول من اخترع الساعة حتى ولو كانت ساعة رملية.. وما المزولة الموجودة أعلى أبواب المساجد والقلاع إلا تأكيد لمعرفة أجدادنا أهمية الزمن.
وأتذكر مرة - عام 1970 - وكنت فى دورة تدريبية فى ألمانيا لدراسة علم إدارة الصحف فى معهد الصحافة فى برلين أن تأخرت لأننى كنت فى زيارة لطبيب، ولما دخلت إلى قاعة المحاضرات فى معهد الصحافة ببرلين.. لمحت شفايف الأستاذ الألمانى تكاد تنطق اسماً مصرياً، بالألمانية، ولما وجدت عبارته إهانة لكل المصريين تعمدت أن أدخل قاعة المحاضرات قبل أى دارس آخر.
الآن ليس هناك صنايعى أو أسطى فنى: كهربائى. أو سباك. أو نقاش يأتى فى الموعد الذى حدده هو.. بل يقول: سأكون عندك بعد ربع ساعة.. ولكنه لا يأتى - إن أتى - إلا بعد 3 ساعات على الأقل.. أو يقول لك: حالاً.. وأكون عندك.. تماماً كمن يقول لك: كلها فركة كعب ولكنه لا يفى بما وعد.. تماماً مثل الصنايعى الذى تسأله كم يحصل مقابل خدمته.. فيرد: اللى تجيبه يا بيه.. فإذا أعطيته 20 جنيهاً وهى لا تستحق إلا 10 جنيهات يقول لك: يا بيه أنا طالع لك خمسة أدوار!!
هل نحن - كما يشاع عنا الآن - لم نعد كما كان أجدادنا.. وأن مصرى هذا الزمان لم يعد فى دقة المصرى.. بتاع زمان.. عندما كانت الجودة هى أساس عمل الصنايعى المصرى وليس فقط فى احترامه للوقت، ولكن أيضاً فى مستوى الجودة والإتقان والأمانة.. وأنه لا يتلف جزءاً مما يتولى إصلاحه ليضمن أن تستدعيه مرة أخرى.. ليحصل على المزيد.. يعنى: صنايعى من غير ضمير.
يبدو أن عالم الصنايعية والأسطوات انتهى.. رغم أن كلمة الأسطى.. أصلها كلمة تركية Austa تعنى «أستاذ»، وكانت تُقال للمعلم والمدرس ثم بعد ذلك قيلت لأصحاب الحرف اليدوية.
والأسطى هو الأستاذ.. أى أستاذ فى صنعة.. ولم يكن يحصل عليه إلا بشق الأنفس.. أما نحن الآن فأصبحنا فى عصر الواد بلية.. فالأسطى يجلس ويطلب من صبيانه العمل.. ويقضى هو الوقت «يسحب» فى الشيشة.. أو الجوزة.. فضلاً عن أنه يذهب إلى عمله بعد أن ينتصف النهار!!
■ ■ كل ذلك انعكس على المصرى حتى فى دواوين الوزارات والمصالح.. فما يحتاج إلى ساعة لإنجازه.. لا يؤديه إلا على مدى أسبوع!! وليس أسهل عنده من كلمة فوت علينا بكره.. وبكره هذا دائماً لا يأتى إلا بعد أن تدفع المعلوم.. وكله بثمنه!!
■ ■ أقول ذلك لأن هناك من يطالب بإعادة تدريب العاملين فى الجهاز الإدارى للدولة، أو تأهيلهم إذا فكرنا فى تغيير طبيعة عملهم.. لأن ما يجب أن نقوم به هو تغيير العقل المصرى، الذى تربى على تراب الميرى.. ونعمة الراتب الدائم.. رغم أنه لا يؤدى عملاً حقيقياً.. أو يضيف إنتاجاً!!
■ ■ ويا كل المصريين.. ما دمتم نجحتم فى إشعال ثورتين.. لماذا لا تكون الثورة الحقيقية هى فى تغيير مفاهيم العمل والإنتاج.. ولماذا لا نطبق هنا نظرية «العمل بالساعات».. أى ربط الأجر بساعات الإنتاج الفعلية إذ ربما ننجح فى تغيير اقتصادنا من استمرار هبوطه.. إلى إنتاج حقيقى، عماده: الوقت.. واحترام ساعات العمل.. وليس مجرد التوقيع على دفتر أو ساعة الحضور والانصراف.. المهم: أن ننتج. وأن نعمل.. وبعدها نسأل عن: الأجور.. وعن الحوافز وعن البدلات.. وأن يكون شعارنا الأجر مقابل الإنتاج.. وهذا لن يتحقق إلا باحترامنا للساعة.. وللوقت.