محمد صلاح البدرى
مؤتمر الشباب.. والوطن كله!
أعتقد أنه ينبغى أن أعترف أننى لا أشعر براحة أو سلام نفسى مثلما أشعر به فى تلك المدينة السمراء الجميلة.. إنه نوع من الاطمئنان الداخلى الذى يعتريك من اللحظة الأولى التى تطأ فيها قدماك مدينة أسوان.. وجوه تشع من قسماتها الطيبة.. وتتباين درجات لونها الأسمر مع مياه النهر العظيم الزرقاء.. الذى يحتل مكانة عظيمة فى تلك المدينة.. ويتناغم اللون الأخضر لأشجارها الكثيفة مع صفار المعابد القديمة والمزارات السياحية التى تعج بها.. إنها مشفى طبيعى لكل الأمراض النفسية التى أصبحت تحاصرنا من كل اتجاه.. وعلاج فعال لكل تبعات الحداثة القاسية.. لذا أعتقد أن اختيار أسوان لإقامة مؤتمر الشباب الشهرى كان موفقاً بامتياز.. لقد كان المؤتمر كعادته محفلاً وطنياً.. وملتقى صحياً لكل أطياف الدولة السياسية مع شبابها.. محفلاً يرصده العالم كله كتجربة أعتقد أنها فريدة من نوعها فى منطقتنا العربية.. وحدثاً فريداً فى تاريخنا المعاصر!
وككل مؤتمر.. يثبت الشباب أن وادينا الطيب ما زال يعج بالطاقات.. وأن الوطن ما زال يحمل لنا الخير فى أبنائه.. فباستعراض سريع للوجوه الشابة التى تملأ القاعات ستجد مستقبل ذلك الوطن فى تلك العيون اللامعة.. ستجد الغد فى ذلك الحماس الذى يطل من ملامحها التى لم تتلوث بأثقال الحياة بعد.. ولا شك أن المؤتمر هذه المرة قد شهد تطوراً نوعياً فى جلساته.. فالرئيس التقى هذه المرة بالشباب فى جلسة مفتوحة استغرقت أكثر من ساعتين.. واستمع لآرائهم التى عبروا عنها بكل حرية.. ودون إملاءات.. كما شهد المؤتمر شجاعة أدبية واضحة.. تمثلت فى تعبير تلك الفتاة الشابة عن معاناة قريناتها فى مجتمع الصعيد المغلق بفعل عاداته المتوارثة.. كما ظهرت فى شكوى الشاب الأسوانى الذى تحدث عن مشكلة مصنع كيما.. والذى أعتقد أن أفضل ما حدث هو رد الرئيس البليغ عليه بزيارة المصنع فى نفس اليوم.. لقد أثبت ذلك الشاب الأسمر الشجاع أنه لا أحد يملى أسئلة على الحضور.. وأن الكل يتحدث بحرية تامة.. وأن رسالة السيد الرئيس له وللشعب كله «أنت آمن وتتكلم زى ما انت عاوز.. طالما مرفعتش علينا سلاح»، هى فصل القول فى علاقة السلطة بالشعب فى عهد عبدالفتاح السيسى كاملاً.. لقد شهد المؤتمر عرضاً حقيقياً لمشكلات الصعيد فى كل المجالات.. وشهد عرضاً لمبادرات وتجارب وأفكار قيمة مثل مبادرة مؤسسة اسمعونا «اطمن على نفسك» للقضاء على فيروس سى.. أو مبادرة «ألوانات» التى عرضت تجربة مجتمعية لطيفة تحدث على أرض الصعيد فى مدينة المنيا.. وشهد عرضاً لمشروع تطوير الرعاية الصحية فى مصر egyhealth الذى تشرفت وقدمته للجنة المنظمة.. التى قررت بدورها مشكورة أن تسمح لى بعرضه ضمن فعاليات المؤتمر.. ويبقى أن يتم تبنيه من مؤسسة الرئاسة ليتم تفعيله!
الطريف أن منتقدى فكرة المؤتمر خفتت أصواتهم تدريجياً.. فلم يعد هناك من يتحدث عن عدم جدواه بعد تنفيذ توصياته تباعاً.. وأشهرها وأهمها فى رأيى هو الإفراج عن الدفعة الأولى من الشباب المحبوسين الذين لم يتورطوا فى أعمال عنف.. ولم يعد هناك من يتحدث عن تكلفته المرتفعة بعد أن قررت اللجنة المنظمة أن يتحمل ضيوف المؤتمر تكلفة الانتقال والإقامة بالكامل.. لقد أصبح المؤتمر الوطنى للشباب حدثاً ينتظره الشعب كله وليس الشباب فحسب ليلتقوا برئيسهم.. ليستمعوا إليه بأسلوبه الحميمى المعتاد.. ليلقوا عليه أسئلتهم دون خوف أو خطوط حمراء.. كما أصبح مناسبة لإصدار قرارات تنموية جيدة.. أعتقد أن إعدادها قد تم من قبل المؤتمر نفسه.. فى تقليد طيب ومحمود.. ربما لم نشهده من قبل على أرض هذا الوادى الطيب!
شكراً لمن فكر فى هذا التقليد وأصر على استمراره.. وشكراً للجنته المنظمة التى تعمل كخلية نحل لا تهدأ.. ويبقى أن يزداد التواصل وتفعيل الأفكار المقدمة من خلاله.. التى أثق أنها تحمل الخير لمصر.. فشباب هذا الوطن يحملون من الطاقات ما يؤهلهم للتحليق بعيداً.. ويحملون ذلك الهتاف الحميمى فى قلوبهم وليس على لسانهم فقط... تحيا مصر!