هانى عسل
قطار ترامب يدهس «أرامل» أوباما!
لماذا الاندهاش، ولماذا الاستياء؟!
أمريكا تغلق أبوابها فى وجه اللاجئين من سبع دول، هذا قرارها، وبدلا من أن نلومها، ونصب عليها لعناتنا، علينا أن نلوم أنفسنا، لأننا قبلنا ذات يوم أن نبيع بلادنا ونرضى بتقسيمها وبيعها وخرابها بحجة «الربيع» و«التغيير»، لنتحول إلى شعوب لاجئة بائسة تمد يدها هنا وهناك، للحصول على تأشيرة من دولة، أو لطلب مساعدة غذائية من دولة ثانية، أو لعقد مفاوضات سلام على أرض دولة ثالثة!
قرارات ترامب الأخيرة ضد مواطنى سبع دول إسلامية قرارات «مجنونة» و«عشوائية» من وجهة نظرنا، ولكنها من وجهة نظر أنصاره وناخبيه ليست سوى تنفيذ سريع وصارم لبنود برنامجه الانتخابى الذى جاء به إلى السلطة، ولو لم يف بوعوده، لاتهمه أنصاره بالفشل أو الكذب أو الخيانة، ولربما عاقبوه كما عوقب ترودو فى كندا على تصريحاته فى أقل من 24 ساعة بهجوم مسجد كيبيك، وكما سيعاقب الألمان والأوروبيون ميركل ورفاقها على فتح «الأحضان» للاجئين!
ترامب رفع منذ اليوم الأول لرئاسته شعار «أمريكا أولا»، وتعهد لناخبيه بحماية «الأمة الأمريكية»، وتصحيح سياسات الديمقراطيين الكارثية تجاه الشرق الأوسط وغلق «حنفية» اللاجئين القادمين من مناطق الصراعات التى خلقها وأشعلها أوباما شخصيا، وكان مقررا أن تكمل مسيرته هيلارى لتعيد الحياة مجددا إلى «أيتام» و«أرامل» الربيع الذين يتباكون الآن على ما يحدث!
المسألة بالنسبة لأمريكا إذن قضية «أمن قومي»، ولكنها بالنسبة لخصومه مجرد «شعارات» عن حقوق الإنسان وحماية المهاجرين والمضطهدين، رغم أن عهد أوباما بالمناسبة كان عهدا كئيبا للأقليات الأمريكية، ولو خاض ترامب صراعا قانونيا فى المحاكم الأمريكية حول شرعية قراراته الأخيرة، لاحتار القضاة الأمريكيون أنفسهم بين العواطف والشعارات، وبين دواعى الأمن القومي، ولرجحت كفة الأمن القومى فى النهاية بالتأكيد، تماما مثلما تجاهل بوش الابن المظاهرات المليونية ضد حرب العراق، ومضى قدما فى تنفيذ خطة الغزو «حماية لأمريكا»!
والمواطن الأمريكى العادى «معذور»، فهو لا يرى الآن إسلاما معتدلا، ولا مسلمين معتدلين، وصورتهم الذهنية عن الإسلام رديئة، وشكلتها القاعدة وداعش والإخوان وهجمات سبتمبر ومشاهد الحرق والتخريب والتدمير وقطع الرؤوس، ومنذ عقود قليلة، كان مهاجرو الجيل الأول إلى أمريكا إضافة حقيقية للمجتمع الأمريكى متعدد الأعراق، فكان منهم العلماء والمهندسون والأطباء، وينطبق ذلك على من جاءوا من العالم العربى والإسلامي، أما الآن، فالمهاجرون واللاجئون القادمون إلى أمريكا بينهم الصالح والطالح، ففيهم الطبيب والعالم، وفيهم أيضا الطريد المتطرف الذين يفضل العيش فى «جيتو» إسلامى منعزل عن المجتمع الكافر، ولا يمانع فى أن يتحول يوما إلى «ذئب منفرد» يقتل ويدمر ويخرب، أو إلى إرهابى يفجر نفسه فى البلد الذى استضافه وأواه.
حتى إذا سلمنا بجنون ترامب وأنصاره، تعالوا نحسبها بالعقل، فالدول العربية الست المشمولة بقرار حظر استقبال مسافرين أو لاجئين منها لفترات مؤقتة متفاوتة، تشترك جميعها فى صفة مهمة، وهى أن جميعها ـ بسم الله ما شاء الله ـ دول منهارة أو شبه منهارة، ويستحيل التنسيق معها أمنيا لعدم وجود حكومات أو مؤسسات أمنية أو عسكرية بها، فالصومال نموذج لدولة «اللا دولة»، واليمن «السعيد« بلا صاحب، والسودان تفكك منذ زمن، وسوريا تنتهك أرضها قوات من «عشرميت» دولة، وليبيا تحكمها الميليشيات بمعدل ميليشيا لكل بيت أو كل أسرة، والعراق فى حالة يرثى لها رغم مرور 14سنة على تعرضه لأولى «نسمات» الربيع الأولى، أما الدولة السابعة، وهى إيران، فعليها هى الأخرى علامات استفهام عديدة فيما يتعلق بتصدير الثورة والبلطجة فى الخليج وصلاتها بالإرهاب العالمي!
.. قطار ترامب انطلق .. ولن يوقفه شىء.. فكفوا عن التصفيق أو العويل، واكتفوا بالمشاهدة!