المساء
عثمان الدلنجاوى
التفريط في العباقرة والمبدعين ..!!
يسعدك أن تجد بؤراً مضيئة من حولك. ويؤلمك ألا يستفيد بلدك منها. ويحضرني نموذج الشاب المصري محمد يوسف "35 عاماً" عضو المجلس الاستشاري لوزير السياحة السابق هشام زعزوع. وأحد أعضاء فريق التسويق الالكتروني للسياحة في عهد وزيرها الأسبق خالد رامي الذي برحيله جري تسريح هذا الفريق. ولم يجد هذا الشاب المبدع مفراً من المغادرة بأفكاره إلي العالم الخارجي.. وما لبث أن حاز ثقة منظمة السياحة العالمية ونال أرفع أوسمتها وجوائزها تكريماً لابتكاره أحدث طرق التسويق الالكتروني للسياحة حول العالم عام 2016. ومن ثم دعته المنظمة قبل نحو أسبوعين لإلقاء محاضرة لعدد من الوزراء وقادة قطاع السياحة في العالم ليشرح لهم ابتكاراته. ويريهم كيف يتم استجلاب السياح بطريقة مثلي.. بينما فرطت فيه وزارة السياحة رغم أننا أحوج ما نكون لجهد كل مبدع مصري وأحق بانجازاته وأولي.. "يوسف" لم يفته وهو يتسلم الجائزة الدولية الرفيعة أن يعبر عن أمنياته لمصر أن تكون في صدارة المستفيدين من مبادرته وأفكاره وابتكاراته.. فهل يبادر وزير السياحة لاستعادة يوسف وأفكاره حتي لانفرط فيه كما فرطنا في "إخوته" المبدعين من قبل..؟!
وعلي مقربة من إبداع يوسف يدهشك إبداع خمسة شباب مصريين آخرين. هم عبدالرحمن عثمان وزملاؤه في كلية الهندسة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة. فهؤلاء المبدعون بادروا لصنع فرصتهم بأيديهم وبأفكارهم القيمة. وقدموا حلولاً خلاقة لمشكلات مزمنة. وحددوا فكرة "مشروع تخرجهم" في مجال الطاقة المتجددة. فدرسوا الأبحاث الخاصة بانتاج الوقود الحيوي من زيوت النباتات والمواد الكيميائية. وقارنوا بين جميع أنواع البيوديزل. ونجحوا بالفعل في استخلاص ديزل يعمل بكفاءة أعلي من نظيره التقليدي وبسعر أقل بنسبة 30%. كما يسهم في تحسين البيئة ويقلل العام بمعدل 80% بخلاف تحسين كفاءة الموتور. الأمر الذي جعل بحثهم ينال جائزة مؤتمر "جوجرين" الدولي.. المدهش أن مدار بحثهم كان علي نبات "جتروفا" الذي يزرع في الصحراء والأرض الهامشية ويستخدم في ريه مياه صرف صحي معالج.. ولحسن الطالع فإن وزارة الزراعة تزرع هذا النبات عندنا بغرض التشجير.. والسؤال: هل فكرت وزارة الصناعة أو التعليم العالي في تبني هؤلاء الباحثين وأفكارهم أو حث رجال أعمال وطنيين لتبنيهم ورعايتهم.. وهل بادرتا بالتنسيق مع "الزراعة" للاكثار من انتاج هذا النبات لتوليد وقود حيوي متميز تشتد حاجتنا إليه.. وهل نؤمن حقاً بأنه لا مخرج من أزماتنا إلا بتوطين مثل هذه الأفكار في مصر والاستفادة بعوائدها حال تحويلها لمنتجات واختراعات تمثل مورداً ضخماً للثروات وفرصاً هائلة للتقدم.. أم أن التفريط في كوادرنا ونابهينا بات عادة مصرية بامتياز رأيناها في تكرار تظاهر الحاصلين علي الماجستير والدكتورة الذين لايجدون وظيفة. وفي أزمة 45 طبيباً وطبيبة أوائل دفعة 2010 بكلية طب أسنان القاهرة الحاصلين علي امتياز مع مرتبة الشرف والذين قال عميد الكلية إن عملهم كان في وظيفة طبيب مقيم تجدد ثلاث سنوات بحد أقصي وليس في السلك الجامعي. رغم انخراطهم فعلياً في أداء المحاضرات والسكاشن والمناوبة في العيادات منذ تخرجهم لقاء 850 جنيهاً شهرياً.. فهل وجدتم أمة تفرط في أنبغ عقولها بهذه الصورة التي تبعث برسالة احباط لمن خلفهم من الباحثين المجتهدين.. هذه مجرد أمثلة لعبقرية المصريين.. فمصر غنية بمواردها البشرية قبل الطبيعية.. لكنها فقيرة في الخيال والإرادة والرؤية؟!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف