محمد جبريل
الصرف الصحي بكيما.. وفعل النعامة!
قد يتصرف المواطن الذي لا يعي حقائق الأمور. بتهاون ولا مبالاة في بعض المشكلات التي تواجه البيئة. وأخطرها التعامل مع نهر النيل. هو مصدر الحياة في الأرض المصرية. بمن عليها. وما عليها. من بشر ومظاهر حياة. لكن العجب يأخذنا عندما يصدر التصرف اللامبالي عن شخصية مسئولة. يفترض انها أحرص الجميع علي نظافة النيل. وسلامة البيئة.
ذلك ما أثاره شباب محافظة أسوان في لقائهم برئيس الجمهورية من اعتداء شركة "كيما" علي النيل بصرف مخلفاتها في مياهه. تعددت شكاوي المواطنين من خطورة المشكلة. ونقلتها عنهم وسائل الإعلام. وانها تؤثر بالسلب علي نظافة البيئة. وكان لقاؤهم برئيس الدولة فرصة لإعادة طرح المشكلة. واتهموا مسئولي المحافظة بأنهم حاولوا مداراة خطأ الشركة. أو جريمتها. بواسطة مواسير غطت الصرف الصحي من داخل مصانع الشركة إلي النهر.
كان المصري القديم يدافع عن نفسه عقب وفاته ـ أمام محكمة أوزوريس ـ بأنه لم يلوث مياه النيل. ولا أضر بالبيئة. يعتبر ذلك النفي سبيلاً لفراره من عقاب المحكمة. فلا تسلمه إلي الآلهة ماعت . تلتهمه. وتحرمه من الخلود.
وإذا كان علماء النفس يتحدثون عن وجود إرادتين متضادتين داخل النفس البشرية. إرادة الحياة والموت.. فإن الحرب التي يشنها إنسان هذا العصر ضد الطبيعة. تعبير مؤكد عن إرادة الموت. أخطر ما في هذه الحرب انها بلا رصاص ولا قنابل ولا صواريخ. ولا حتي قنابل نووية. بل إنها ليست حرب مقاتلين ضد مقاتلين. لكن نتائجها علي الجنس البشري مدمرة تماماً. وهي أشد الحروب امكانية لإفناء الجنس البشري كله. فلا منتصر ولا مهزوم. الإنسان يحارب الطبيعة. ويحارب نفسه بالتالي.
معادلة صعبة التصديق. لكنها صحيحة!
زرت أسوان في أوائل السبعينيات من القرن الفائت. كان أبناء المحافظة يتحدثون بالتقدير والامتنان عن شركة كيما. والتأثيرات الإيجابية التي أحدثتها في البيئة. ومنها استيعاب الأيدي العاملة. وإيجاد نشاط صناعي متقدم. وإلغاء الصورة المترسخة بأن الزراعة والسياحة هما إسهامات أسوان في الحياة المصرية. كانت أمنية الجميع أن تتحول كيما إلي بداية لنهضة صناعية. تجاوز مألوف النظرة إلي التقدم في مجالي السياحة والزراعة.
التقدم العلمي هو بيجماليون الذي صنعه الإنسان. السيارات والطائرات والمصانع والمداخن والنفايات والمخلفات والمبيدات الحشرية والمبيدات الفطرية ومبيدات الأعشاب والأصباغ وأدوات التجميل وغيرها. إنها تتراكم في البيئة المحيطة بنا. بغلاف الأرض. علي هيئة مواد صلبة وسائلة وغازية.. ولا حل!. العلم هو المسئول عن التلوث البيئي الذي يحيق بهذا العالم. والعلم هو المسئول عن إيقاف هذا التلوث. ودرء أخطاره.
العلم هو المسئول عن انقاذ النيل من التأثيرات المهلكة للصرف الصحي. وهو الحل الذي يغيث النهر العظيم من خطر التلوث والموت. وإذا كانت الحقائق قد أثبتت ان دس النعامة رأسها في الرمال عند الخطر ليس صحيحاً. فمن العيب أن يفعل البعض ممن يفترض مسئوليتهم. في كارثة الصرف الصحي بأسوان. ما لا تفعله النعامة!