الصباح
سليمان جودة
المعركة هنا.. قبل أن تكون هناك
فى كلمته أثناء احتفال الشرطة بعيدها هذا العام، قال الرئيس عبد الفتاح السيسى، إن المصريين حين خرجوا فى ٢٦ يوليو ٢٠١٣، ليفوضوه فى القضاء على الإرهاب، كانوا يعرفون حجم التحدى الذى أقبلوا عليه، وأن الدولة فى المقابل قد واجهت معركة شريرة، وخبيثة، على مدى أربعين شهرًا، منذ التفويض إلى اليوم، وأن رجال الشرطة قد تعاملوا مع الأمر كله بشجاعة ونُبل!
ولابد أن كلام الرئيس صحيح، ولابد أيضًا أن المعركة مع أهل الإرهاب فيما يبدو، مستمرة معنا لفترة، الله وحده أعلم بآخرها، ولأنها كذلك، فإن كل ما أتمناه أن نلتفت إلى أنها دارت طوال الأربعين شهرًا، على مستواها الأمنى وحده، وأن المستوى الآخر الذى كان لابد أن يكون موازيًا للمستوى الأول ظل دون الطموح.
ظل المستوى الآخر دون الطموح، مع أنه المستوى الأهم، وهو أهم لأنه يقاوم الإرهاب كفكرة، لا كفعل.
إن الدولة عندما تواجه الإرهاب، كفعل، وفقط، تظل شأنها شأن الذى ينزح ماءً من بئر، فلا هو يتوقف عن النزح، ولا البئر تنضب.
هكذا الموضوع بالضبط، إذا ما ظللنا نتعقب الإرهابيين، واحدًا وراء الآخر، فكلما سقط واحد منهم فى يد الدولة، قام آخر، بل آخرون فى مكانه، وبدلاً منه، يؤمنون بالأفكار ذاتها، ونظل لهذا السبب ندور فى حلقة مفرغة بلا نهاية تلوح فى الأفق.
كشف الأفكار التى يؤمن بها الذين يعتقدون فى العنف، ومقاومتها، هى إذن الأساس، ودون ذلك فأنت كمقاوم للإرهاب تضيع وقتك، لأن التعامل مع أفكار العنف هو تعامل مع المرض من عند جذوره.. أما التعامل مع الأشخاص بعد أن يكونوا قد تشربوا الأفكار، فهو تعامل مع أعراض المرض نفسه !
والحق أن الرئيس لم يدخر جهدًا فى اتجاه المستوى الذى كان هو موضع الطموح.. لم يدخر رأس الدولة جهدًا فى هذا الاتجاه، وكان ولا يزال فى كل مناسبة، يعيد تذكير القائمين على أمر مؤسساتنا الدينية الرسمية الثلاث، بأن عليهم مهمة فى هذا السبيل، وأنها مهمة لن يقوم بها سواهم، لأنهم هُم المعنيون بمقاومة الأفكار الداعية إلى العنف، دون غيرهم.
كان الرئيس ولا يزال ينبه مشيخة الأزهر إلى ذلك، ومن بعدها كان ينبه وزارة الأوقاف، ثم من بعدهما كان يضع التنبيه ذاته فى رقبة دار الإفتاء، ورغم أن جهدًا كانت المؤسسات الثلاث تبذله على هذا المستوى، إلا أنه، بصراحة، ليس هو الجهد المنتظر منها، ولا حصيلة الجهد المبذول فيها، هى الحصيلة المنتظرة من مؤسسات ثلاث هذه هى إمكاناتها التى نعرفها لديها.
آمل ألا يمل الرئيس من دعوته التى يضعها أمانة بين يدى المؤسسات الثلاث، فى كل مناسبة مُتاحة أمامه، وآمل ألا نمل نحن أيضًا من تحفيز الرئيس على مواصلة الدعوة، ثم آمل أن يدرك الذين تتوجه إليهم دعوة الرئيس، داخل مؤسساتنا الثلاث، وخارجها فى المدرسة، أو فى الجامعة، أو فى المسجد، أو فى الكنيسة، أنها دعوة موجهة من كل مواطن يكره العنف ولا يعتقد فيه، وليست موجهة من الرئيس وحده.
المعركة تبدأ هنا مع أفكار التطرف، قبل أن تبدأ هناك على مستوى الشرطة، مع أشخاصه.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف