فى واحدة من تصريحاته المعتادة صرح الرئيس فى لقائه بالشباب فى لغة غاضبة أيضا كعادته، أننا ينبغى أن نصارح أنفسنا بأننا “فقراء أوي” وأنه ينبغى قبل أن نشكو من تردي خدمات التعليم والإنفاق العام عموما، أن نعرف أننا فقراء وهو يقصد بالطبع مصر كدولة فقيرة، فهل مصر فعلا دولة فقيرة؟.
الحقائق وليست الأكاذيب تقول أن مصر الدولة المركزية الموحدة هى الأقدم حول العالم ، وأن هذا الإستثناء الجغرافى الفريد بموقعه وبموارده ومناخه، جسد أقدم الحضارات البشرية المعروفة، التى أبقت من إرث الماضي ما جعل مصر تحتضن ثلث آثار العالم.
مصر التى تبلغ رقعتها الجغرافية أكثر من مليون كيلومتر، وتطل على بحرين هما الأكبر حول العالم بسواحل على البحر المتوسط تبلغ 995 كيلومتر شمالا، و1941 كيلومتر شرقا على البحر الأحمر، ويشقها طوليا أكبر أنهار العالم وأكثره بركة نهر النيل، الذى كان مورد الحياة الرئيس عبر التاريخ والذى جعل الشعب المصرى يتركز رغم مرور كل تلك السنوات فى أقل من 8% من مساحة مصر، مصرا على أن يبقى ملتصقا بالنهر الذي وثق فى عطائه أكثر من ثقته فى تدبير الولاة عبر العصور.
مصر بعدد سكان يكاد يلامس 100 مليون نسمة وبناتج قومى هو 600 مليار جنيه سنويا، وهو بالطبع رقم لا يليق بهمة وقدرات هذا الشعب الذي لم يجد من يحسن قيادته وتعبئة موارده البشرية والمادية حتى الآن، فيصرح بأننا فقراء دون أن يراجع محفظة موارده المترعة بكل الخير هل هناك شعب فقير يجمع فى اكتتاب عام في عشرة أيام 60 مليار جنيه فضلا عن ودائع فى البنوك تخطت 2 تريليون جنيه، تمثل إعلانا صارخا عن فشل النظام فى تعبئة الموارد وتوفير مسارات صحيحة للإستثمار.
فى الزراعة لدينا أخصب أراضى على مستوى العالم ومياه متوفرة سواء مياه نهر النيل أو المياه الجوفية، لدينا عبر أكثر من 27 محافظة كل الأجواء فى العام الواحد بالشكل الذى يجعل التربة المصرية صالحة لاستنبات كل المحاصيل والمزروعات من الخضروات والفواكه والأشجار بأنواعها، فى النقل الداخلي لم نوظف نهر النيل أبدا فى النقل النهرى بشكل اقتصادى لائق، ولم نطور شبكات طرق تنطلق من تخطيط لكل مصر على كامل ترابها فى تنمية متوازنة تغطى كل القطر على تباين موارده وإمكاناته ومناخ كل إقليم داخله.
فى الصناعة نجد أننا نستورد كل شىء من الدول الصناعية المتقدمة كاليابان مثلا، وهي الدولة التى لا تملك سوى عقول أبنائها بينما تعانى ندرة الموارد بدء من الأرض وصولا لأي مادة خام، بينما مصر تملك كل انواع المواد الخام الموجودة على ظهر الكرة الأرضية، سواء الخامات المتعلقة بالطاقة كالبترول والغاز أو الفحم، رغم ضعف الإنتاجية المرتبط بالفساد والتواطوء مع شركات التنقيب الأجنبية، وعدم الحرص على تمصير شركات التنقيب حتى لا تبقى ثرواتنا نهبا للاستعمار الجديد، لدينا اكتشافات بترولية جديدة نعم لكن طبيعة العقود فى الغالب لا تأتى فى صالحنا فى قطاع البترول والغاز، في الفحم لدينا احتياطات مؤكدة فى جبل المغارة بسيناء تصل الى 27 مليون طن منها حوالى 21 مليون طن قابلة للتعدين، فضلا عن الطفلة الزيتية لدينا اليورانيوم فى منطقة المسيكات وجبل قطار فى سيناء، كما لم يبخل علينا المولى عز وجل بالمعادن كالحديد والألمنيت والمنجنيز والكروم والنحاس والفضة والذهب والبلاتين فضلا عن الكوارتز وغيرها من المعادن النفيسة، لدينا ثروة من الرمال السوداء التى تصدر عبر مافيا الى الخارج بالطن، إضافة الى أنواع رمال أخرى فى سيناء من كل الأنواع يحتكرها أباطرة الفساد الذين يحتكرون أيضا مناجمها على طول البلاد وعرضها.
نهر وبحران وشعب يشكو البطالة والجوع والمرض، لسنا فقراء بل نحن وطن لم يحظ عبر تاريخه بقائد منحاز للناس وللبلد، كل من حكمه كان أسيرا لهواه أو أسيرا لمن أتى به للحكم.
إن من يتهمنا بالفقر فقير فى عقله وخياله أو إدراكه للواقع أو متهم في نيته أو مدلس أو فاشل في إدراك ثروات وموارد هذا البلد.
نحن استثناء تاريخي وجغرافي وسبيكة حضارية هضمت كل الحضارات، نهبها كل الغاصبون من فرس إلى روم إلى مماليك إلى عثمانيين، ولم نظفر عبر تاريخنا بزعيم وطنى منحاز لبناء مصر كما يليق بها سوى فى نزر يسير من تاريخنا، هذا البلد يعاني فيتو يصادر نهضته أو تمتع أبنائه بحياتهم بشكل طبيعى ككل الأمم، دائما هناك خطط لإفقارنا وإذلالنا وتدمير معنوياتنا وإيهامنا بأننا فقراء أذلاء ولسنا كذلك ولن نكون، إن الرئيس الذى يوهم شعبه بالفقر كما يجرى لا شرعية له، إن كنت فاشلا فتنحى عن القيادة واترك الفرصة لمن يقدر على إطلاق طاقات هذا الشعب الذي صبر كثيرا على الإهانات، لم نعد نطيق هذا الخطاب الذي يهدد إيماننا بأنفسنا وبالله.
لسنا فقراء ولم يظلمنا ربنا، بل ظلمنا أنفسنا بالصمت على الظالم والفاسد والجاهل، وآن لنا أن نكتشف ذات مصر الحقيقية الغنية الناهضة المستقلة فى قراراها وإختياراتها، كفاكم إهانة لقدر مصر وتاريخها.