البديل
مايكل عادل
فخ الرجعية.. حرب خاسرة مع الإرهاب
خلال العام الماضي شهدت الساحة المصرية أكثر من محاكمة جنائية لكتّاب وباحثين وأصحاب رأي، ولنا أمثلة في أحمد ناجي الكاتب والصحفي الذي حوكم بتهمة خدش الحياء العام، وإسلام البحيري الذي اتُّهم بازدراء الأديان وكذلك أطفال المنيا الذين سُجنوا بعد تسجيلهم لمقطع فيديو يسخرون فيه من الجماعات الإرهابية المسلحة، وتأتي كل هذه المحاكمات والاتهامات بالتزامن مع الحرب الدائرة بين الدولة المصرية والإرهاب سواء في سيناء أو القاهرة، تلك الحرب المستمرة حتى يومنا هذا والتي تتزايد فيها أعداد الشهداء كل يوم سواء من المدنيين أو عناصر الجيش والشرطة المصرية.
المُلاحظ هنا أن الدولة بمؤسساتها الرسمية أصبحت –على نحو ما- تسلك مسلكاً فكرياً يقترب بشكل تدريجي مما تروّج له الجماعات المتشددة، سواء المسلّحة منها أو الدعوية. قابلة بذلك للدخول في مباراة الشد والجذب مع معتنقي تلك الأفكار، بل إن الرجعية قد وصلت إلى مراكز اتخاذ القرار والحل والربط في أمر لا يقل كارثية عن وصول تلك الجماعات إلى السلطة، فإن وصول الأفكار إلى الموكل إليهم محاربتها هو الخطر الأكبر الذي لا يتمنّى الإرهاب سواه دون أن يكلفوا أنفسهم نقطة دماء واحدة أو مواجهة مسلّحة مع دولة بأكملها تفوقهم قوّة وعدد وأنصار، وبدخول الفكر الرجعي إلى الحيز الرسمي تستمر المباراة بين التكفيري ورجل الدولة على ما هو أسوأ ليخرج الجانب الفكري من الصراع ويصبح خارج أي مناقشة، وهنا يصبح أي فكر تنويري أو نزعة تحررية عدو متبادل للدولة والإرهاب فيضمن ألا يطفو على السطح إلا بمعجزة.
بالإضافة إلى الحرب المسلّحة بين الجماعات والدولة، فللإرهاب مسلك آخر يتجلّى في الطموح المتزايد بالسيطرة الجغرافية للجماعات المسلحة كما في سوريا والعراق، وهذا المسلك هو جلب الأنصار والحصول على تأييد شعبي للفكر ومن ثم المزيد من الحشد فيصبح للإرهاب شعب ويأخذ شكل الدولة الموازية، ولعل أفضل وسيلة لتحقيق ذلك هو التلويح بكُفر الدولة وزندقة المجتمع وما يحكمه من قوانين ودساتير عن طريق المزايدة المستمرة على توجهات الدولة الأكثر تحضّراً –ولو على سبيل الشكل- والتي تجنح غالباً إلى عنصر المواطنة واحتواء أكبر قدر من الأفكار والتوجهات. وهنا تسقط الدولة، كما في النموذج المطروح، في فخ المناطحة لتبرهن للأنصار المُتنازع عليهم كذب المنطلق التكفيري في الصراع الدائر، بينما في الواقع تبدأ الدول ومؤسساتها في خسارة مضمون الحرب الدائرة وتفريغ المحتوى الفكري للنزاع فيصبح الصراع عبثي بين فرقتين تناطح كل منهما الأخرى في أفكار يجدر أن تكون هي محل الحرب وبالتأكيد لن تفوز الدولة في مباراة الرجعية مع هؤلاء، ولن تتمكن أيضاً من الحفاظ على الأنصار الطبيعيين للدولة والذين سيشعرون بخروجهم من المعادلة كظهير منطقي للدولة أمام الإرهاب.
فخّ تنصبه الجماعات المعاونة لحملة السلاح، ومعركة خاسرة تخوضها الدولة أمام أعدائها الحقيقيين الذين يقدّمون البديل الأكثر رجعية وتطرفاً لأنصار الرجعيّة والتطرّف، وعدوّاً أكثر منطقيّة ووضوح للتقدميين الذين فقدت الدولة بوصلتها تجاههم أثناء حربها الخاسرة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف