البديل
محمد سعد عبد الحفيظ
اسمع.. هذه هي سير قادة الفقراء
“لا أدعو الجميع إلى العيش في الكهوف، لكن على الناس أن يعملوا أقل.. يجب أن يعمل الجميع، لكن ألا يعملوا كثيرا، وألا يسرعوا وألا يستهلكوا كميات كبيرة من ممتلكاتهم لرميها فيما بعد”، بهذه النصيحة ودع أفقر رئيس لدولة في العالم شعبه قبل أن يغادر منصبه من عامين.
رئيس أوروجواي السابق خوسيه موخيكا الذي تولى السلطة في 2010، لم يطالب شعبه بالتقشف وهو يعيش في القصور المنيفة، لم يدعوهم إلى ربط الحزام وهو يخصص لنفسه موكب رئاسي يضم أكثر من 36 سيارة فارهة، لم يطلب منهم ترشيد الاستهلاك وهو يشتري 4 طائرات “فالكون إكس 7” فرنسية الصنع، بقيمة 6 مليارات جنيه ليضمها إلى سرب الطائرات الرئاسي.
عاش موخيكا فقيرا وتولى السلطة فقيرا وخرج منها أكثر فقرا، لم يستخدم خلال فترة ولايته سوى سيارة “فولكسفاجن” موديل 1987 اشتراها مستعملة في 2004، وقدر ثمنها بعد مغادرته السلطة بـ1200 دولار، عقب انتخابه مباشرة قرر التبرع بـ 90% من دخله الشهري البالغ حينها 12500 دولار، ورفض منذ أول يوم تسلم فيه السلطة الاقامة بقصر “كاسا سواريث” الرئاسي في مونتيفيديو، وطلب في المقابل تخصيص بعض أجنحته كمأوى للمشردين في حالة عدم كفاية المراكز الموجودة في العاصمة.
وبالرغم من إن وسائل الإعلام وصفته بأنه أفقر رئيس في العالم ورئيس الفقراء، إلا أن بلده حلت في المرتبة 48 في العالم من حيث جودة الحياة، وصنفت منظمة الشفافية العالمية أوروجواي على أنها أحد بلدان أمريكا الجنوبية الأقل فسادا، كما أنها تتميز بظروف عمل أكثر حرية ومؤشرات نمو تعد الأفضل بين دول القارة.
أوروجواي لم تكن دولة فقيرة، وحكمها رئيس قرر أن يعيش عيشة الفقراء فضرب لهم مثلا في التقشف والترشيد وعدم الاستهلاك، لم يكن على رأسه “بطحة” فحارب الفساد وساهم في نهضة بلده.
في 2013 قررت رئيسة دولة مالاوي جويس باندا، بيع الطائرة الرئاسية “داسو فالكون 900 إي.إكس” التي اشتراها سلفها الرئيس الراحل وان موثاريكا، واستخدام ثمنها لإطعام أكثر من مليون شخص يعانون من سوء تغذية مزمن.
رئيسة الدولة الأفريقية الفقيرة “أوي” كانت تعالج بتلك الخطوة الكوارث التي خلفها بذخ الرئيس السابق وسفه حكومته التي أهدرت أموال المانحين والدائنين في مشروعات وهمية، وترك بلاده في حالة من الفوضى الاقتصادية.
في كلمته الأخيرة مطلع الأسبوع الجاري قال الرئيس عبد الفتاح السيسي مخاطبا الشعب المصري “محدش قالك إن أنت فقير قوي.. لأ يا ريت حد يقولكم إن احنا فقرا أوي ودولة فقيرة أوي”.. كررها الرجل 3 مرات، وفيما حاول أحد الشباب التعقيب انفعل “رئيس الضرورة” قائلا: “اسمع الكلام.. إحنا بنقولكم المرض”.
الرجل الذي يرى في نفسه مبعوث العناية الإلهية لمصر، وطبيبها المداوي، وقال عن نفسه “ربنا خلقني كدة طبيب يوصف الحالة، يعرف الحقيقة ويشوفها، وزعماء كل الدنيا، خبراء المخابرات والسياسيين والإعلاميين، وكبار الفلاسفة قالوا للناس اسمعوا كلام الراجل ده”، هذا الرجل لم يقرأ أو يسمع عن رئيس أورجواي أو مالاوي، ولم يعرض عليه أحد تجربة لولا في البرازيل أو موراليس في بوليفيا ولا أبو بكر أبو الكلام في الهند.
“طبيب الفلاسفة” الذي تسلم مصر “خرابة” وفقا لتعبيره، أثقل كاهل الأجيال القادمة بديون لا قبل لهم بها، بددها في مشروعات اقتصادية وهمية، حيث دفع نحو 4 مليارات دولار لحفر تفريعة جديدة لقناة السويس ثبت بالأرقام خسارتها، وأسس شركة مساهمة لإدراة مشروع “العاصمة الإدارية الجديدة” يقدر رأسمالها بـ 6 مليارات جنيه بعد أن فر منها المستثمرون لإدراكهم فشلها، فضلا عن تكلفة ترفيق تصل إلى 10 مليارات دولار، وأهدر المليارات في مشروع استصلاح “المليون ونصف المليون فدان” ونحن على اعتاب مرحلة فقر مائي بسبب سد النهضة.
السيد “رئيس الضرورة” اسمع: مصر وإن صارت دولة فقيرة فذلك بفضل توجهات نظامك وسياساته الاقتصادية وإهداره أموالها على الترف والسفه والمشروعات الوهمية.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف