الأهرام
أحمد يوسف أحمد
علاء ومطيعة
أما علاء فهو الشاب علاء مصطفي فني الإحصاء بمديرية الصحة بأسوان ذو الواحد والعشرين ربيعا، الذي تجاسر علي أن يحرج المسئولين في محافظته
عندما اتهمهم في مؤتمر الشباب الأخير في أسوان بنفاق الرئيس بتجميل المنطقة المحيطة بمكان انعقاد المؤتمر بينما الشوارع الجانبية القريبة مملوءة بالقمامة، وهو تقليد بيروقراطي قديم ، وأضاف الشاب جريمة أخري هي إخفاء الصرف الصحي الذي يصب في النيل حتي لا يشم الرئيس الروائح الكريهة ، وأما مطيعة فهي ابنة أسوان التي تبلغ من العمر سبعا وأربعين سنة التي خاطرت بإيقاف موكب الرئيس أثناء زيارته محطتي صرف كيما في أسوان لتشتكي إليه من «البهدلة» التي شارك فيها فراش المحافظ علي حد قولها وهي تسعي لعلاج ذراعها وهي لم تُقدم علي هذه المخاطرة إلا بعد أن دوختها البيروقراطية العاجزة وغير المبالية بهموم المواطنين وآلامهم . في الحالتين شجع الرئيس الشاب والسيدة علي الإفصاح وأحسن الاستماع واتخذ الإجراء السليم، فانتقل مع علاء وزملائه إلي محطتي الصرف للاطمئنان علي أن مشكلة الصرف في طريقها إلي الحل، ووجه بتوفير العلاج اللازم لمطيعة حتي إن وزير الصحة وفقا لما نشرته الصحف قال إنه سيكون في انتظارها بالمطار لنقلها إلي القاهرة للعلاج وقد نُقلت بالفعل يوم الاثنين الماضي.

لا شك أن ما سبق يُحسب للرئيس لاستماعه للمواطنين وأخذ شكاواهم مأخذ الجد واتخاذ الإجراءات المطلوبة لحل مشكلاتهم، وهو يخصم في الوقت نفسه من رصيد الثقة في المؤسسات البيروقراطية المسئولة إن كان لها رصيد، فضلا عن أنه يزيد من صدقية مؤتمرات الشباب التي توشك أن تصبح تقليدا إيجابيا يزيد من مشاركتهم وقناة لنقل مطالبهم، والأهم من ذلك أفكارهم بشأن حل مشكلات الوطن وتطويره، ولم تكن مصادفة أن تنتهي كل دورة من دورات المؤتمر بقرارات مهمة مطلوبة شعبيا، ويرد علي الانتقادات التي مست مدي تمثيل الحاضرين لشباب مصر، إذ أنه مع انتقال عقد هذه المؤتمرات خارج القاهرة اقتربت بدرجة أكبر من تمثيل قطاعات أوسع من شباب مصر وطرحت علي نحو أكثر فعالية أفكار الشباب وطموحاتهم ، غير أن ثمة أسئلة مهمة تثور في هذا السياق، فماذا لو لم توات الجرأة علاء ومطيعة كي يفعلان ما فعلا ؟ وكم عدد الحالات المماثلة التي لا يُتاح لأصحابها أن يفعلوا ذلك؟ ومن ثم كم عدد ضحايا البيروقراطية العاجزة أو الفاسدة وكم عدد المشكلات المتعلقة بصحة المواطنين ورفاهتهم التي تبقي دون حل بسبب هذا العجز أو الفساد ؟ وكيف نُزلزل هذه البيروقراطية التي تخذلنا كثيرا، التي تمتد أضرار عجزها أو فسادها إلي جوانب كثيرة في حياة المواطنين كما نري حاليا في العجز عن كبح جماح الأسعار التي فاق جنونها وجشعها كل توقع دون مبرر مقنع؟، والأهم من ذلك كله أن هذا العجز أو الفساد يلقي علي عاتق الرئيس أعباء ليس من المفروض أن يتحملها وهو المشغول برسم الاستراتيجيات الكبري للوطن في الداخل والخارج، فحل المشكلة التي أثارها علاء وعلاج مطيعة كان من الممكن أن يتم علي مستوي المحافظ أو حتي أدني منه . جميل أن يهتم الرئيس بالمشكلات الصغيرة للمواطنين العاديين ولكن الأكثر جمالاً أن تعينه المستويات الأدني علي التفرغ لمهامه الأساسية.

وثمة مسألة أخري تتصل بما سبق وتتعلق بالدور الذي تلعبه الرقابة الإدارية حاليا، فلا شك أنها كانت دوما حصناً للوطن ضد الفساد بشتي أنواعه ، وكان إلغاؤها في عهد من العهود خير دليل علي التهديد الحقيقي الذي باتت تمثله لحصون الفساد، والآن وقد أُعطيت الضوء الأخضر علي نحو مطلق هانحن نري حالات الفساد، الجسيم تتساقط يوماً بعد الآخر ونتبين أنها ليست موجودة فحسب لدي صغار الفاسدين كما كان البعض يحاول إيهامنا، لكنها تمس أيضا أشخاصا يلعبون أدوارا بالغة الأهمية في المجتمع سواء كانت هذه الأدوار رسمية أو غير ذلك ، وبقدر ما يكشف التساقط السريع لحالات الفساد الكبري عن مدي كفاءة هذا الجهاز ذي السمعة الرفيعة بقدر ما يشير للأسف لاستشراء الفساد في أوصال المجتمع بسبب أوضاع أمنت فيها منظومة الفساد علي نفسها ، غير أنني لاحظت أن انتشار العجز والفساد في المواقع المختلفة يدفع جهاز الرقابة الإدارية إلي الاهتمام بقضايا صغيرة كالتفتيش علي رصيد الأدوية وصلاحيتها في مركز طبي ما، أو علي سلامة وقود السيارات والتلاعب به في محطاته، أو علي سلامة الأداء والتوزيع في خدمات حيوية للمواطنين ، وكل هذه أعمال نبيلة غير أن ما ينطبق علي حالتي علاء ومطيعة ينطبق علي هذه الحالات ، فالمفروض أن تتفرغ الرقابة لمهامها الكبري كإسقاط قلاع الفساد أيا كانت حصونها وضمان حسن اختيار القيادات العليا للدولة ، كما أنني لاحظت أخيرا تقليدا طيبا مؤداه أن الرقابة الإدارية أصبحت بمنزلة «المهندس الاستشاري للدولة» الذي يطمئن علي سلامة اكتمال المشروعات الوطنية قبل افتتاحها حتي لا نقع فريسة للوهم بأن مشروعات قد أنجزت دون أن أن يكون ذلك صحيحا، أما أن يصل عجز البيروقراطية أو فسادها إلي درجة شغل هذا الجهاز الرفيع بقضايا صغيرة فهذه مرة أخري مسئولية قيادات بيروقراطية صغيرة.

والسؤال الآن : إلي متي سوف تواصل البيروقراطية العاجزة أو الفاسدة تعويقها المسيرة الجادة لحل مشكلات الحاضر والبناء السليم للمستقبل ؟ وما هي المشكلات التي تحول بينها وبين الاضطلاع بمسئولياتها ؟ وكيف نحل هذه المشكلات توطئة لأن نُحدث الثورة المطلوبة لتغيير واقعها الأليم ؟
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف