المصرى اليوم
عباس الطرابيلى
ما بعد غضب الناس
أخشى على مصر مما يجرى بالداخل. أكثر مما أخشى عليها من الخارج.. هكذا قال الرئيس عبدالفتاح السيسى.. ونحن أيضاً معه، فى هذا القلق الذى يكمن الآن داخل البلاد.. فهذا هو الخطر الحقيقى.. إذ ربما تكون تحركاتنا الخارجية تنقذنا مما يخططه لنا الأعداء الخارجيون.. أو ربما يرى أعداء الخارج أن ما يحدث فى الداخل أكبر كثيراً مما يمكن أن يحدثوه بتحركاتهم فى الخارج. وللأسف حكومتنا.. وسياساتها تفعل بمصر الآن أكثر مما يخططه كل الأعداء!!
ونقصد هنا ليس فقط تخبط سياساتها.. بل فى ردود أفعال الحكومة.. وكأنها تحكم بلاداً غيرنا.. أو هى لا تقرأ أو ترى غضب الناس من موجات هذا الغلاء الذى يطحن العظام، بعد أن يبس اللحم، وشاخ قبل الأوان.

نعم الحكم: سياسة.. والبعض يرى أن العلاج يمكن أن يأتى دورة واحدة.. يعنى بأسلوب الجراح، الذى يستخدم المشرط، قبل أن يجرب ما قبل الجراحة من أساليب العلاج. والبعض يرى - وهؤلاء هم الحكماء - أن العلاج يجب أن يتدرج.. ولا ننفذ سياسة، أو جرعة أخرى، إلا بعد أن يمتص الناس سلبيات الجرعة السابقة.. وبعد أن يرى الناس بعض إيجابياتها.. وما بين أسلوب الجراحة.. وأسلوب الجرعات تتدرج وسائل العلاج. بشرط أن تستمع الحكومة جيداً لنبض الناس.. وأن تمسح دموعهم.. بعد أن تشرح لهم لماذا.

ولكن الغريب، والمثير للغضب - وربما يدفع إلى الثورة - أن الحكومة سدت أذنيها تماماً ولم تعد ترى أو تسمع.. أو تشرح حتى يتقبل الناس.. وكانت النتيجة أن الناس - وقبل أن يتقبلوا موجة غلاء - تصدمهم الدولة بموجة أخرى أشد.. وأخطر مما سبقها.. واستغل التجار الجشعون هذا الصمت الحكومى بل هذا التجاهل لرد فعل الناس.. وتمادوا فى جشعهم.. وانطلقوا فى عمليات سلب ما بقى فى جيوب الناس، كل الناس.. وهكذا وجدنا فى حياتنا الآن: أثرياء الغلاء.. كما وجدنا فى السابق أثرياء الحرب.. وامتد نشاط اللصوص - هؤلاء - إلى كل شىء.. وربما إلى ما ليس له صلة بالدولار أو بتعويم الجنيه المصرى.. وإذا كانت بعض السلع قد أصابتها لعنة التعويم بنسبة 30٪.. فنجد «أثرياء التعويم» زادوا الأسعار بنسبة 50٪ بل هناك من قام بمضاعفة أسعاره.. نعم.. الضعف!! ولا نتحدث هنا عن أسعار السلع الكهربائية المعمرة، من ثلاجات وأجهزة تكييف.. وغلايات مياه بل أسعار كل السلع الغذائية.. وهنا مربط الفرس!!

وما يستفز الناس أن الحكومة تتحرك ويداها فى ماء بارد تماماً وكأنها لا تحس. وربما إذا تحركت الحكومة وضربت بيد من حديد على أيدى الجشعين، ربما تهدأ نفوس المتضررين من الشعب.. وهم الأغلبية.. ولكن كل ما نسمعه كلام فى كلام.. وكله يقول - بل يناشد الجشعين - أن يضعوا كيساً من الملح فى عيونهم.. مثلاً كل ما يطلبه الفقير هو أن يحس ويرى أن الحكومة معه.. وليست عليه.. فهل يا ترى تريد الدولة أن تحمل الحكومة نتائج هذا الغلاء - بعد أن تتمادى فيه - ثم يكون قرار رحيلها - كلها - هو الحل.. لعل الناس ترضى - بعض الرضا - عن قرارات الإصلاح الاقتصادى.

■ إن أكبر أوعية الضغط لها حدود للتحمل وهى مصنوعة من الحديد والصلب، فماذا نقول فى أعصاب الناس.. وما هى حدود تحملها.. خصوصاً أنها ترى أن موجات الغلاء باتت تمتد إلى الكل.. وما قرار زيادة سعر زيت التموين وأيضاً سكر التموين.. وإذا كانت هذه هى أسعار هاتين السلعتين على بطاقة التموين، فماذا عن سعرهما.. خارج البطاقة، أى تحت رحمة السوق الحرة نقصد مقصلة الجشعين؟!

■ كل ذلك بينما الرواتب ثابتة.. ولا نقول هنا: احمدوا ربنا إن الدولة مازالت ملتزمة بالوفاء بالرواتب وتقدمها أول كل شهر.. ولكن ما كان يكفى ليغطى احتياجات الناس الأساسية حتى منتصف الشهر، لم يعد - فى الأسعار الحالية - يغطى أكثر من أسبوع واحد.. ترى هل يتحمل البسطاء ذلك حتى وإن تحملته الفئات الأكثر راحة؟!

■ وهل للحكومة آذان وعيون لتسمع وترى ما يقوله الناس.. أم أنها وهى فى طريقها للرحيل لم تعد ترى أو تسمع وكأن لسانها يقول: أنا وبعدى الطوفان.

حقيقة، أنا أخشى شدة انفجار الناس مما يحدث.. وأتوقع ردود فعل أشد.. وأن الناس، إن كانت مقتنعة بسلامة نوايا الدولة نحو الإصلاح.. إلا أن العقل يرى أن نقف.. لندرس.. أو نقف لنعطى للناس فرصة لالتقاط الأنفاس.. لأن البديل الذى يخشاه العقلاء هو.. الطوفان. وفى هذه المرة لا نجاة.. ولا منجاة.. والله أعلم.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف