المساء
محمد جبريل
ع البحري .. التحدي
تلاحق منذ خمسينيات القرن العشرين. العديد من الثورات والمنجزات العلمية والتكنولوجية: ثورة الاتصالات. ثورة المعلومات. ثورة الهندسة الوراثية. ثورة الالكترون. غزو الفضاء. اقتحام أعماق الكون. الروبوت. الكمبيوتر.. وغيرها من المؤشرات التي تهبنا صورة المستقبل. وما يتوقع للإنسان أن يضيف به إلي تاريخه في هذا العالم. وفي هذا الكون.
السؤال الذي يشغل الكثيرين: أين عالمنا العربي من ذلك كله؟ كيف نستطيع اللحاق بالعالم المتقدم. قبل أن نفقد الفرصة. ربما إلي الأبد؟
ان المواجهة الحضارية. اطلاق الفعاليات العربية. السعي إلي التقدم. ملاحقة الانجازات الإنسانية.. هو التحدي الذي يواجه الاقطار العربية. مجرد التكاسل. أو التغاضي. أو التخاذل. يعني ضياع الفرصة. بل ان التحديات الاقتصادية والسياسية تتضاءل بالقياس إلي تحديات التقدم. إنه المقدمة والبداية والدعامة. وهو المستقبل أيضا.
ولعل أهم ما يجدر بنا أن نحرص عليه هو أن نجاوز الاستهلاك إلي الانتاج. فلا نكتفي بالحصول علي المعرفة والتكنولوجيا من الدول المتقدمة. وإنما نحاول - بكل ما لدينا من طاقات - أن نحقق التقدم.
نحن نستهلك معطيات الدول المتقدمة في سعيها إلي المستقبل. دون أن يشغلنا السؤال. مثلما شغلها. ويشغلها دوما. عن صورة المستقبل.
ان الدول المتقدمة لن تهبنا - بأموالنا - إلا ما يتبقي منها. وبالصورة التي لا تؤدي إلي منافستها. نحن بالنسبة إليها مجرد أسواق. مجتمعات استهلاكية. وعلينا أن نكتفي بتصدير المواد الخام. ليعيد العالم المتقدم تصديرها إلينا في صورة مواد مصنعة!
لاحظ برنامج الأمم المتحدة للبيئة. أن الجهود الحديثة للتنمية في المنطقة العربية. اعتمدت علي النقل المكثف للتكنولوجيا من الخارج. فكانت التكنولوجيا تنقل في أغلب الأحيان. في صورتها المجمعة. كآلات مدينة كاملة التركيب. وهو ما أدي إلي إعادة تطوير القدرات الذاتية فيما يتعلق بالتعامل مع التكنولوجيا مثل الخبرة الفنية. وبرامج وأنظمة التشغيل. وفيما يتعلق بفهمها وفك طلاسمها وتقييمها. ومن ثم تكييفها واستغلالها بصورة اقتصادية في إطار نظم الانتاج القومي.. ولعل أوضح مثال علي ابتعادنا عن التكنولوجيا - والكلام لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة - ان الفلاح حصل علي التراكتور ليحقق به زيادة في الانتاج. فاستخدمه وسيلة مواصلات. وانخفض الانتاج بالتالي!
القضية ليست في مجرد استيراد التكنولوجيا. لكنها في القدرة علي استيعاب التكنولوجيا. وتوطينها. وتطويرها بما يتلاءم مع ظروفنا الاقتصادية والاجتماعية. الآلة هي وسيلتنا إلي التقدم. ونحن لكي نسيطر علي الآلة فلابد أن نصنعها. نصنعها ولا نكتفي باستخدامها. بل ولا نكتفي بتجميعها. عدا ذلك فهو صبغ الوجه بالبودرة. تصورا أنها تخفي ما قد يعيب البشرة. أما محاولة ارتداء زي النمور من خلال الاقتصار علي عمليات التجميع بديلا عن عمليات التصنيع. فهي مجرد ارتداء زي أنيق علي جسد يعاني العلل. مجرد أدوات تجميلية تخفي البثور والندوب!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف