هي صفحة من مذكرات طفلة.. ظلت مواظبة علي تدوين أيامها.. حتي كبرت وصارت كراسة.. لتعيد تصحيح الأخطاء.. وننشرها لها.
طفلة تتجول بين البيوت ولا يأتيها النوم في نهاية يوم. علي وسادة.. فكل الوسائد والمساند تعاني. بين جدران الجد أب الأب.. شتائم وسب ولعن لأمي.. تتشارك فيها العمات. وفي بيت أبي امرأة لونها أحمر.. الشفاة والأظافر وقميص النوم. أملها أن أعود لأمي بحكايا حمراء لأدغدغ أعصابها. وأخرس ما بقي فيها من حياة.
عرفت بعد سنوات أنه كان ينبغي عليّ أن أنقل لأمي أن أبي وجد غانيته. و"عيشي" أو "موتي" علينا أنا وأخي. تدثري برداء الفضيلة وأسكني بداخله. إنه شأن زوجة ترفض ذل وإهانة وقهر تطلب الطلاق.. وأما نحن فعائدون مرات ومرات إلي حيث زوجة تخبط الأطباق والأبواب وتسحب أبي لغرفة نسمع تفاصيلها ليس من فرط استمتاعها وإنما لشدة الكيد بنا. تخرج من ضحكاتها العالية لتسألنا عن شالها لتتحزم به وهي تتلوي لتخبرنا صغاراً: "نويت الرقص". نتكور أنا وأخي في ركن من سرير في غرفة باردة لا أحد يهتم بأن تكسوها سجادة. ولا لعبة أو صورة كالتي تعلقها أمي أمام عيوننا.
حلوة يا أمي
كبرت يا أمي واسترجعت.. كم من عيون التهمتك.. وعرفت بوحدتك وتمنت وصالك. وعرفت كيف رفضت الزواج من هذا الرجل الذي كنت تستشيرينه في أشيائك كلها حتي في الطريق الذي تسلكينه للطبيب. أردته صديقاً.. ومع جمالك لا صداقة تكتمل.
وكان لك جدول.. أبي يطرق الباب ويسلمنا لك من علي الباب السبت وبالداخل علي المائدة الكيك الذي أحبه.. والبطاطس المقلية لأخي.. وحضنك وشوقك وابتسامتك الحلوة.. وحسن الأداء تستيقظين فجراً.. لساندويتشات المدرسة وتعلمينا كيف نلبس دون مساعدة. ونبدأ علي الطريق بآيات قرآن ودعاء لله بأن يحفظنا من كل شر. ونجدك مع المدرس تسألي عنا وعلي البوابة تنتظرين اصطحابنا لبيتنا الجميل. لم يكن عندنا دفاية.. كان لدينا حضنك. ولدي أبي سخونة لا أعرف حتي الآن هل كانت تكييفاً مركزياً.. لأن لها رائحة صناعية. ننكمش ولا ندفأ. ما أسوأ الدفء بلا مصدر.. حنان.
وتتوالي الأيام علي أمي.. سعيدة بنا يوماً.. راضية في الثاني.. قلقة.. لا تطيق نفسها في اليوم المقرر لأبي أن يتسلمنا وهي مضطرة لأنه يترك لنا فلوساً.
وهناك أكلنا.. ومصاريف مدرستنا.. حسن أخي بلل فراشه. استيقظت زوجة أبي لا تتكلم.. عرفت أن ما تفعله اسمه "بترطم" تنزع الملاءة وتنثر الغل علي المرتبة. وحسن وضع رأسه وسط ركبتيه منثنياً في الركن. خائفاً.. خجلان.. ينتظر بلهفة العودة.. لصدر ماما.
لا.. نراه
ليت أبي كان رحمنا من الحياة مع هذه المرأة.. أنه لا يرانا. فقط يأخذنا من أمي ليعود بنا ويدخل لينام... في الصباح يخرج ويعود ليلاً. يلقي علينا بتحية ويسألها هي زوجته عنا.. إنه لا يدرك أننا كبرنا قليلاً نستطيع أن نصف حالنا.. الواضح أنه لا يريد أن يسمع ما لا يرضيه ويكتفي بكلماتها عنا.. محتاجين تربية.. حتشوف لما أجيب لك الولد كيف سأربيه. وهو يرجوها أن تتحملنا.
كبرت يا أمي.. وكبرتي. ومهما فعلت لن أوفيك حقك. ولأنك أحسنت تربيتي.. أعرف حق أبي.
وهذه الأيام سمعت كلمة استضافة. فأعادت ذكريات حزينة. ليت الأب يصطحب أولاده لفسحة نهاية الأسبوع. ولا يعذبهم لمجرد أن يضمهم كتماثيل في بيته. ويا ريت القضاء يمنح الأم المطلقة حقوقها المالية. حتي لا تقع تحت أنياب أب. يمنح أو يمنع. والحالتان عذاب. فإن قصر فمن أين تنفق هي. وإن وهب فمن قبل المن والتحكم فيمن خرجت من تحت سيطرته.
كبرت يا أمي.. وشاهدت حملة اسمها التاء المربوطة أرجوكم دعموا كل أنثي لتبقي.. مربوطة.