الجمهورية
بسيونى الحلوانى
لوجه الله .. ارحمونا من "وزراء النكد"
لو كنت مكان المهندس شريف اسماعيل رئيس مجلس الوزراء لفكرت فورا في استحداث "وزير للسعادة" يكون مبتسماً ومتفائلاً طوال الوقت وتكون مهمته الأساسية محاولة إزالة ما يجلبه بعض زملائه في الوزارة من اكتئاب وإحباط وقلق وتوتر للجماهير نتيجة تصريحاتهم الصادمة أو سياساتهم غير الموفقة. أو إصرارهم علي عدم القيام بواجباتهم في حماية حقوق الشعب.
في دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة وزيرة للسعادة اسمها "عهود الرومي" تعمل وتخطط طوال الوقت لكي يشعر كل الإماراتيين بالسعادة والاطمئنان والاستقرار النفسي رغم أن معظمهم يعيش في رغد من العيش. فهي تري السعادة حقاً لكل أفراد الشعب وتؤمن بأن المسئولين في الدولة من واجباتهم الأساسية اقناع المواطنين بأن القادم أفضل.
لكن في مصر الوضع يختلف كثيرا عن الامارات وعن فنزويلا التي استحدثت هي الأخري وزارة للسعادة الاجتماعية.. فنحن لدينا وزراء يطاردوننا صباح مساء بتصريحات وقرارات ومواقف تجلب النكد وتؤكد أن القادم أصعب لكي نشعر بالمزيد من القلق والتوتر والاضطراب. وفي هذا المناخ بالتأكيد لن نشعر بالأمان ولن نعمل كما ينبغي أن نعمل ولن نرشد في الانفاق كما ينبغي أن نرشد. حيث يؤكد اطباء النفس ان المكتئب لا يعمل بكفاءة ويسرف في تناول الطعام والشراب ويحطم ويدمر كثيراً مما يحيط به.
وزير السعادة المصري ستكون مهمته أصعب من نظرائه في العالم. فالدول التي فكرت في هذه الوزارة المهمة تعيش في ظل مناخ اقتصادي وسياسي واجتماعي أفضل لكننا أحوج إلي هذه الوزارة منهم فلدينا مشكلات وأزمات متلاحقة تستدعي العمل الجاد لاقناع المصريين بأننا نعيش مرحلة إصلاح اقتصادي تستدعي التضحية والصبر وأن الحكومة لا تتحدي الشعب ولكنها تجتهد في تحقيق مطالبه العادلة.
ہہہ
قد يري البعض بأن وزارة السعادة رفاهية لا تناسب الحالة المصرية وأن الأولي منها البحث عن كفاءات في مختلف المجالات لتولي المسئولية فالتخلص من وزراء النكد أولي من جلب وزير للسعادة.. لكنني اختلف مع هؤلاء خاصة ونحن مازلنا نجرب في الوزارة كما نجرب في مختلف مواقع العمل القيادي في مصر. والدليل علي ذلك اننا نجري تعديلا وزاريا كل عدة اشهر. فالوزير في مصر اصبح مثل البطيخة "احنا ونصيبنا" وخاصة في ظل اعتذار كثير من الكفاءات عن تولي منصب الوزير وهي الظاهرة المزعجة التي تعاني منها مصر منذ ثورة يناير حتي الآن.
لكن يظل التخلص من وزراء النكد مطلبا جماهيرياً. فهناك العديد من الوزراء الذين يتولون وزارات جماهيرية ولا يتوقفون عن صدم الجماهير بتصريحات استفزازية تتناقض تماما مع الواقع الذي نعيشه في مصر.. فليس معقولا أن يكتوي غالبية المصريين بنار فواتير الكهرباء ويطاردنا وزير الكهرباء يوميا بأن الدولة ترفع المعاناة وتدعم فواتير محدودي الدخل. ومحددوي الدخل في نظر وزارة الكهرباء هو الذي يستهلك 50 كيلو وات شهرياً.. أي الذي يعيش بدون ثلاجة وبدون تليفزيون وبدون غسالة وبدون مروحة. ولا يوقد أكثر من لمبتين من اللمبات الموفرة وينام مبكرا ولا يستيقظ ليلاً!!
ليس معقولا أن يطاردنا وزير التموين - مثلا - بتوافر كافة المواد الغذائية في المجمعات الاستهلاكية بأسعار في متناول الجميع ويذهب مواطن محدود الدخل ليشتري كيلو السكر ب 18 جنيهاً ولتر الزيت ب 25 جنيهاً والفرخة ب 60 جنيهاً؟
ليس معقولا أن يطاردنا وزير التعليم بتطوير التعليم وجودته وانضباط العملية التعليمية ومعظم المدارس الحكومية تعج بالفوضي والعشوائية ومستوي التلاميذ في تدهور مستمر.
ليس معقولا أن يحدثنا وزير الصحة يوميا عن توافر الخدمات الصحية بالمستشفيات الحكومية لكل المواطنين.. والمواطنون يصرخون في كل المحافظات من قصور الخدمات ومن عدم وجود الحد الأدني من الخدمات.
وزراء الخدمات في مصر يحتاجون إلي إعادة نظر ويجب أن يتولي المسئولية في هذه الوزارات مقاتلون لديهم الاستعداد للتضحية طوال الوقت من أجل خدمة هذا الشعب.
العمل الوزاري لم يعد منصبا شرفيا للتباهي والتفاخر ولا ينبغي الاستجابة لمحاولات شخص الحصول علي هذا المنصب الرفيع ليختتم به حياته الوظيفية والحصول علي لقب وزير سابق أو معاش وزير.. بل ينبغي البحث عن اشخاص لديها القدرة علي التضحية والتعامل مع المنصب الوزاري علي أنه "خدمة عامة" لا تقل في أهميتها عن الخدمة في الجيش والشرطة.
مصر في أمس الحاجة إلي وزراء مقاتلين وليس إلي اشخاص مرفهين يبحثون عن مظاهر الرفاهية والأبهة والمنافع الشخصية من وراء المناصب العامة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف