جمال سلطان
النائبة المسيحية تهاجم قصة وا إسلاماه !
في سياق استغلال الأحداث المحيطة بنا والاضطراب السياسي واسع النطاق ، تتغلغل بعض الأفكار التي لا تخلو من بعد طائفي للضرب في أوتار حساسة ، وطرح قضايا لم يكن أحد يتصور أن تذهب العقول إليها ، مما يوتر الأجواء ويشحن نفوس أبناء الوطن بالكراهية ، في الوقت الذي نحتاج فيه جميعا إلى التوحد وإصلاح النفوس وتخفيف بؤر التعصب والتوتر وكل ما يثير الكراهية ، فالوطن لا تنقصه فتن ولا يحتاج إلى المزيد من صب الزيت على النار ، النائبة البرلمانية "المسيحية" منى منير فاجأتنا بطلب غريب تقدمت به إلى وزير التعليم لحذف القصة التاريخية الشهيرة "وا إسلاماه" لأديب العربية الكبير الراحل علي أحمد باكثير ، وذلك لأنها رأت ـ دونا عن العالمين السابقين واللاحقين ـ أنها قصة تنشر أفكار داعش وأنه يمكن أن تخلق لنا جيلا داعشيا ، هكذا قالت ، وقد تبارى معها بعض البرلمانيين محاولين التخفيف من عنف الكلام ، فقالوا أنه إذا كان الأمر يتعلق بتعديل بعض الفقرات في القصة أو حذف مشاهد فلا بأس ، أما أن نستبعدها بالكامل من الدراسة فهو غير مقبول ، وبعض أعضاء البرلمان قالوا أنهم درسوا تلك القصة في صباهم ولم يصبحوا دواعش ؟!. "وا إسلاماه" واحدة من أشهر القصص التاريخية التي تربت عليها أجيال طويلة من المصريين ، درسوها في المناهج التعليمية بوصفها قصة تصقل حب الأوطان والتضحية بالغالي والنفيس من أجلها ودفع ضريبة الدم والروح دفاعا عن الوطن في وجه الهجمات البربرية للغزاة ، وهي قصة مقررة على مناهج الثانوي من أزمنة بعيدة ، ودرسها تقريبا كل رؤساء مصر السابقين ، من عبد الناصر للسادات لمبارك لمرسي لعدلي منصور للسيسي ، كما درسها كل القادة العسكريين في مراحل التعليم كما درسها العالم الراحل أحمد زويل وملايين الشخصيات المصرية الذين برزوا في المحافل السياسية والديبلوماسية والعلمية والتكنولوجية داخل مصر وخارجها ، ولم تبد على أحد منهم علامات داعشية ، لكن منى منير "المسيحية" ترى أنها قصة داعشية وأنها تهدد الأجيال الجديدة بالفكر الداعشي الذي تحمله . "وا إسلاماه" كتبها العملاق علي أحمد باكثير ، الأديب المصري اليمني الأصل ، والمفعم عشقا بمصر ودفاعا عن سيادتها ومجدها ، وكان قد نشر سلسلة مسرحيات تندد بالاحتلال الانجليزي لمصر في أواخر الأربعينيات فأفزعت قادة الاحتلال فطلبوا من الملك فاروق إبعاده من مصر وإعادته لليمن ، وضغطوا عليه وهددوه ، فلما بلغ الأمر إلى مصطفى النحاس باشا رئيس الوزراء أمر بمنحه الجنسية المصرية ، تقديرا لوطنيته وعطائه الكبير لمصر ، وحماية له من بطش الانجليز ، وقصة وا إسلاماه قامت السينما المصرية في عهد عبد الناصر بتحويلها إلى فيلم سينمائي ناجح ومشهور ، لدعم الوطنية المصرية ورفع الروح المعنوية للجيل الجديد وشحنه بمعاني البطولة والمجد والتضحية فداء للأوطان ، وكتب السيناريو والحوار له الأديب الراحل الكبير يوسف السباعي ، وشارك في صناعة الفيلم عدد من الأقباط لم يروا فيه ما رأته النائبة القبطية منى منير . ما يجعلك في حيرة من أمر النخبة المصرية اليوم ، أن أحدا لم يهتم بأن يدافع عن الرواية في وجه هذا الاعتداء المشين ، والاستخفاف المخزي بالأدب ونصوصه التاريخية الفذة ، لم ينتقد أحد موقف النائبة منى منير حتى ولو من باب حماية حرية الأدب والأديب والحق في التعبير وحرية الفن ، وعدم التدخل في النصوص الأدبية ، عشرات الأدباء والمثقفين والحقوقيين انتفضوا طوال عدة أشهر وسودوا صفحات طويلة غاضبة وهائجة لأن كاتبا شابا مغمورا نشر قصة مترعة بالإباحية الجنسية الصريحة فانتقدها بعضهم وطلبوا محاكمته وأدانته المحكمة ، وقالوا أن حرية الأدب مهددة ولا يجوز التدخل في النص الأدبي ، أو تجريم صاحبه ، يا أخي على الأقل تعاملوا مع العملاق الكبير علي أحمد باكثير بمستوى تعاملكم مع الشاب المبتدئ أحمد ناجي . يحزنك كثيرا أن تزداد قناعة بأن مفاهيم الحرية والحق في التعبير لم تترسخ بعد في وعي النخبة المصرية ، رغم الصخب الكبير حولها ، هذه الحقوق تكون مهمة لديهم فقط إذا مست أحدا من "الشلة" وأبناء الأيديولوجية التي يؤمنون بها أو ينتمون إليها ، أما "الآخر" المختلف ، فلا كرامة له ولا حق ولا حرمة ولا يستحق أن ندافع عنه ، حتى لو كان في قامة علي أحمد باكثير .