الوطن
وفاء صتدى
الخروج من كأس إفريقيا والدخول لاتحاد إفريقيا
شهد الأسبوع المنصرم حدثين متتالين شغلا الرأي العام المغربي وأدخلاه في حالتين نفسيتين متناقضتين، وهما الخيبة لخروج المغرب من كأس الأمم الإفريقية بعد تعثره أمام الفريق مصر في مباراة فكت عقدة هزائم مصر التي دامت لثلاثة عقود في لقاءاتها الكروية ضد الفريق المغربي، بعد ان اهدى كهربا هدفا ثمينا للفريق المصري اخرج به المغرب خارج المنافسة الافريقية.

والفرحة يوما واحدا بعد هذه الهزيمة، بعدما توافق القادة الافارقة في قمة اديس ابابا، بخصوص عودة المغرب الى بيته الافريقي بعد قطيعة دامت 33 عاما، بعدما غادر المغرب كرسيه داخل منظمة الوحدة الافريقية وقتها، بسبب قبول هذه الاخيرة لكيان لا تتوفر فيه شروط السيادة.

وبين خيبة خروج المغرب من الكأس وفرحة دخوله الى الاتحاد هناك كلمة عبور واحدة وهي "افريقيا".

افريقيا التي شكلت في الـ15 عشر سنة الاخيرة اولوية لدى السياسة الخارجية للمغرب الذي سعى الى بلورة استراتيجية تعاون جنوب-جنوب فعالة، على اعتبار أن البعد الإفريقي في السياسة المغربية قد أملاه الامتداد الطبيعي والاستراتيجي للمغرب في إفريقيا، وهنا شبه الملك الراحل الحسن الثاني المغرب بشجرة جذورها المغذية في إفريقيا ومتنفس أغصانها في أوروبا، مما جعل المغرب يشكل جسر تواصل ليس فقط بين الشمال والجنوب، وايضا بين الجنوب–جنوب. وهكذا التزم المغرب منذ استقلاله، بجعل التعاون مع إفريقيا خيارا استراتيجيا مبنيا على تقوية وتعزيز علاقاته متعددة الأطراف مع دول القارة السمراء بهدف إقامة شراكة حقيقية بمعادلة "رابح – رابح"، بما يدعم التعاون ويفتح آفاقا واسعة للتنمية المستدامة والتضامن.

وافريقيا، باعتبارها اكثر قارات العالم تعرضا للظلم والاستغلال والتهميش، والتي وقعت منذ القرن 16 فريسة القراصنة الغربيين الذين كانوا يستولون على سواحل القارة ويتوغلون في أراضيها ويأسرون كل من يقع في قبضتهم. ووقعت، مرة اخرى، فريسة اطماع الاستعمار الاوروبي الذي اشتد صراعه حول الكعكة الافريقية قبل ان يبادر بعقد مؤتمر برلين 1884 الذي تم فيه تمزيق واقتسام القارة الى دول مستعمرة لاتزال تعاني الى اليوم من ندوب الاستعمار وما خلفه من حروب أهلية. لكن المغرب كان دائما حاضرا فيها داعما، مرة، حركات الاستقلال والتحرر، ومرة اخرى، خطط الحفاظ على الوحدة الترابية وسيادة البلدان الأفريقية، ومشاركا في مختلف قوات حفظ السلام في أفريقيا، بحيث لاتزال القبعات الزرق المغربية تواصل مهامها لفائدة السكان الذين يعانون من الحروب والجوع والأمراض.

وأفريقيا المستقبل، اذا ما علمنا أن نسب النمو المتوقعة في هذه القارة هي الأكبر من نوعها في العالم خلال السنوات القادمة، وهو ما جعل القارة تصبح قبلة مستحبة لامريكا واوروبا والهند والصين وايران واسرائيل. وكما اتخذ المغرب خطوات سباقة تجاه عمقه القاري، فلايزال القوس مفتوحا امام باقي دول شمال افريقيا ومصر بالتحديد، التي يمكن ان تدخل مع المغرب في تعاون ثلاثي في افريقيا بحيث تكون هي بوابة للمغرب الى الشرق والوسط والمغرب بوابة لمصر في غرب القارة، من اجل اتخاذ خطوات مماثلة مع دول الجنوب الافريقي الذي تتشارك معه نفس الجغرافيا ونفس التحديات والتهديدات.

افريقيا التاريخ والمستقبل، اختار المغرب ان يدشن علاقة جديدة في علاقته بها من خلال عودته الى بوابتها الرسمية: الاتحاد الافريقي، في اطار من الاحترام والتعاون ولم الشمل الافريقي وتبادل الخبرات وترسيخ المساهمات في القضايا الإفريقية عبر أجهزة الاتحاد، خاصة ما يتعلق بقضايا الأمن والسلم والاستقرار ومحاربة الإرهاب.

وسواء كان قرار خروج المغرب قبل ثلاثة عقود من المنظمة القارية قد كان خطأ استراتيجيا، او كان شرا لا بد منه، فقد تجاوز المغرب تلك المحطة التاريخية وعاد اليوم الى حضنه الافريقي، مما سيمنحه فرصة للانخراط، اولا، في العمل الافريقي المشترك. وثانيا فرصة حقيقية لطرح وجهة نظره بخصوص قضيته الاولى، الصحراء المغربية، من داخل البيت الافريقي، عبر آلية الحوار المباشر والحكيم مع جميع الفاعلين، بعيدا عن لغة الصدام التي يمكن ان تحدث انقساما داخل الاتحاد، والبحث عن مسارات أخرى جديدة تدعم التسوية التي قدمها المغرب، لحل هذه القضية المزعومة، والمرتكزة على مبادرة الحكم الذاتي التي تشكل الإطار الملائم لتجاوز وضعية الانفصال وتشتيت الوحدة الترابية للدول.

بعودة المغرب الى بيته الافريقي، يكون قد طوى صفحة سنوات من التحليق خارج السرب، وسيساهم بمساعدة شركائه الاستراتيجيين داخل القارة في أن تكون هذه المؤسسة قوية، مما سيقوي القارة الافريقية ككل، وسيقوم بحل قضيته بطريقة سلمية من داخل البيت الافريقي ليستدرك اخطاء سنوات مضت.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف