في 23 يوليو 1952 قامت الثورة، وفي 7 سبتمبر، تم إنشاء وزارة الإرشاد القومي، أو وزارة الإعلام بتسميتنا الحالية، وتولي أمرها الأديب الثائر فتحي رضوان. وكان الهدف من إنشائها أن تكون همزة الوصل بين الثورة والشعب، لأن كل ثورة لابد أن يكون لها إعلامها. وخلال الفترة من 1952 حتي 2011 ظلت وزارة الإعلام تنقل توجهات الدولة للشعب وتحمل صوت الشعب للمسؤولين.
في عهد الوزير صفوت الشريف عرفت مصر القمر الصناعي والبث الفضائي لأول مرة، ومعهما ظهرت القنوات الخاصة، التي يتحدد اتجاه كل منها بمصلحة من يمتلكها. وفي عهد أنس الفقي بدأت وزارة الإعلام اتجاهاً جديداً، أساسه منافسة الإعلام الحكومي للإعلام الخاص، وكان أسامة الشيخ هو مهندس هذا الاتجاه. واستطاع إعلام الدولة أن ينافس الإعلام الخاص. لكن الوزارة وأجهزتها أصيبوا بانتكاسة كبيرة منذ ثورة يناير 2011 لأنهم تبنوا وجهة نظر مبارك ونظامه ولم يتبنوا وجهة نظر الشعب والثورة.
صمدت الإذاعة أمام التحديات، أما التلفزيون فكان أمامه تحدٍ أكبر بعد أن فقد مصداقيته. وساعد أبناء ماسبيرو أنفسهم علي انهياره، فقد ارتبطت الثورة لديهم بالمطالبة بزيادة الأجور، وأعلنوا الحرب علي البرامج التي تحقق إعلانات كبيرة بحجة أن الذين يقدمونها من خارج المبني، وبهذا انعدمت الإعلانات، وزادت الالتزامات، حتي صار العاملون يتقاضون الآن أجورهم بالدين، وتبلغ قيمة هذا الدين سنوياً حوالي ثلاثة مليارات جنيه
زاد الطين بلة بإلغاء وزارة الإعلام بقرار غير مدروس. فمن يتصور أن دولة تواجه الإرهاب في سيناء، وتواجه سيلاً يومياً من الشائعات تقوم بإلغاء وزارة إعلامها ؟ من يتخيل أن نظاماً ثورياً يمكن أن يوصل أفكاره للشعب دون وسائل إعلام تعبر عنه، وتكون همزة الوصل بينه وبين الشعب ؟ الأدهي من هذا أن التمويل الذي يقدم لماسبيرو حالياً يعطي الأولوية للمرتبات وما في حكمها دون اهتمام كافٍ برصد ميزانية للإنتاج. ونتيجة لذلك توقف قطاع الإنتاج وشركة صوت القاهرة، وتراجعت مدينة الإنتاج الإعلامي عن الإنتاج لحد كبير، وخلت الساحة أمام القطاع الخاص ليقدم أسوأ الأعمال الدرامية، عدا قلة قليلة من المنتجين الذين يقاومون من أجل تقديم دراما حقيقية يمكن أن تساهم في بناء الإنسان المصري. توقف التلفزيون أيضاً عن إنتاج برامج جديدة قوية يمكنها أن تنافس البرامج ذات الإمكانات الضخمة التي تقدمها القنوات الخاصة. ولم يتوقف التراجع عند حد الدراما والبرامج بل وصل أيضاً للأجهزة، وأذكر أني طلبت من المسؤولين عن أحد البرامج في قناة النيل الثقافية نقل مشهد معين من اليوتيوب فاعتذروا لي عن عدم قدرتهم علي النقل لأن الأجهزة الموجودة لديهم لاتسمح بهذا. كما وصل التراجع للديكورات، والأثاث، وكل عناصر الصورة الأخري
في ضوء هذا شجعت بعض أجهزة الدولة بعض كبار رجال الأعمال علي إنشاء كيانات إعلامية جديدة، ضخمة، تكون بديلة لتلفزيون الدولة. وصدر حكم غير مكتوب بإعدام ماسبيرو. ورغم هذا راح كثيرون من المخلصين يتساءلون : هل يمكن عودة ماسبيرو لسابق عهده ؟ وكيف ؟
واتفق كل المعنيين بإعلام الدولة علي ثلاث نقاط يمكنها أن تعيده لسابق عهده، هي : إرادة سياسية، وتمويل كبير يتم ضخه في مجال الإنتاج الإعلامي، وإعادة الهيكلة. لكن الواضح أنه لاتوجد هذه الإرادة السياسية، وليست هناك نية لضخ تمويل جديد، وأظن أنه سيتم التعامل مع موضوع الهيكلة بمنتهي التراخي، لأن الدولة صار لديها البديل.
خسارة ماسبيرو. خسارة إمكانات فنية ومادية هائلة ستضيع هدراً، خسارة خبرات متميزة لاحد لها ستفقدها مصر بسبب ضياع ماسبيرو. خسارة الأسواق التي انسحبنا منها. خسارة أن نتحول لمستوردين للإنتاج الإعلامي بعد أن كنا مصدرين له، وكان التصدير مصدراً للدخل القومي، وكان الإنتاج الإعلامي يفتح آلاف البيوت ويوفر آلاف فرص العمل. أفيقوا ياحضرات المسؤولين عن دولتنا المحروسة، ولاتضيعوا هذا الصرح العظيم