د. محمود خليل
أحكام القضاء.. وحكم القدر!
القضاء الأمريكى حكم بوقف القرار التنفيذى الذى أصدره الرئيس الأمريكى ترامب بمنع رعايا 7 دول من دخول الولايات المتحدة. من الوارد بالطبع أن يعارض «ترامب» فى الأمر، ويلجأ إلى الكونجرس لاستصدار قانون أو قرار بقانون يقضى بمنع رعايا هذه الدول، بطريقة تساعده على الإفلات من هذا الحكم، لكن يبقى ملمح أساسى يجب ألا نهمله فى هذا المشهد يرتبط بسرعة التزام الإدارة الأمريكية بتنفيذ الحكم، فبمجرد صدوره وصلت إفادات إلى عدد من المطارات من إدارة الجمارك وحماية الحدود الأمريكية لشركات الطيران، تؤكد وقف قرار الرئيس «ترامب» بحظر سفر مواطنى 7 جنسيات إلى الولايات المتحدة.
الأمر الملفت فى المسألة يتعلق بالاحترام البالغ والخضوع الكامل الذى أبدته الإدارة الأمريكية لأحكام القضاء، رغم ما تردد -ويتردد- على لسان «ترامب» من هجوم على المسلمين، وما عكسه من رغبة عميقة -قبل وبعد دخول البيت الأبيض- فى منع تدفقهم إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك ما عبرت عنه شخصيات من البيت الأبيض حول وجود نية لإضافة أسماء دول أخرى إلى قائمة السبع دول، حددها كبير متحدثى البيت الأبيض فى مصر والسعودية وأفغانستان وباكستان. كل هذا لم يمنع الإدارة من الامتثال لحكم القضاء، والهرولة إلى تفعيله بقرار رسمى، وتقديرى أن هذا الأداء يحمل مؤشراً مطمئناً على أن النظام السياسى بالولايات المتحدة لديه آليات لتصحيح نزق وشعبوية الرؤساء الذين يمتازون بهذه السمات، ويصح أن يصلوا إلى البيت الأبيض، كما حدث مع «ترامب»، لكن دعك من هذا الأمر، ولنتحدث فيما هو أهم وأقرب بالنسبة إلينا هنا فى مصر.
لعلك تعلم أن أحكاماً باتة وقاطعة عديدة خرجت عن القضاء المصرى، ولم نسمع لها صوتاً ولا صدى لدى السلطة التنفيذية، وأيضاً التشريعية. على سبيل المثال الحكم ببطلان التوقيع على اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية، بما يترتب عليه من تأكيد مصرية جزيرتى «تيران وصنافير»، حتى الآن لا نعلم هل سيقوم مجلس النواب بمناقشة الاتفاقية، بعد هذا الحكم أم لا؟. رئيس المجلس أكد -فى تصريح تليفزيونى عقب ساعات قليلة من صدور الحكم- أن من حق المجلس أن يناقش الاتفاقية!. لدينا أيضاً حكم صادر منذ عدة شهور عن محكمة النقض يقضى ببطلان عضوية النائب أحمد مرتضى منصور، وتصعيد المرشح عمرو الشوبكى نائباً عن دائرة الدقى والعجوزة. لقد مضى على هذا الحكم ما يزيد على 7 شهور، ومع ذلك لم يتم تصعيد «الشوبكى» حتى الآن. مجلس النواب يقول إنه أحال الحكم إلى اللجنة التشريعية لتقوم بدراسته، وهو كلام عجيب، فما الهدف من الدراسة التى تقوم بها اللجنة التشريعية، وهل قناعتها أو عدم قناعتها بحيثيات الحكم يمكن أن تؤثر على تنفيذه.. أين احترام الأحكام القضائية إذاً؟. لقد هرولت الإدارة الأمريكية إلى تفعيل حكم قضائى يلغى قراراً لرئيس يتربع على رأسها، وكذلك يكون التعامل مع أحكام القضاء.. فارق كبير بين مجتمعات يحكمها «القضاء»، وأخرى يحكمها «القدر»!.