فى الذكرى السادسة لثورة 25 يناير قال الرئيس عبد الفتاح السيسى «سنستمر فى مواجهة الإرهاب البغيض حتى نقتلع جذوره بالتزامن مع مواصلة الحرب على الفساد».
والسؤال إذن: ما العلاقة بين الإرهاب والفساد؟
فى 25 أبريل من عام 1984 عقدت ندوة بعنوان «الانفتاح الاقتصادى والنظام الاجتماعى» دعوت إليها نفراً من المفكرين المصريين لإجراء حوار حول العلاقة بين الاقتصاد والثقافة فى قضية محددة هى ما اصطلح على تسميتها فى السبعينيات من القرن الماضى بــــ«الانفتاح الاقتصادى» ومدى تأثيرها على النظام الاجتماعى. ودارت أبحاث الندوة حول نقد الانفتاح الاقتصادى، إذ اتفقت على أنه كان انفتاحاً مضاداً للحضارة لأنه استند إلى القانون الذى أصدره الرئيس السادات ،1974 والذى ينص على الاستيراد بدون تحويل عملة، ومن ثم تأسست السوق السوداء ومعها الرأسمالية الطفيلية التى تستهلك دون أن تنتج. وكان من شأن ذلك انفجار التفسخ الاجتماعى فى مظاهرة الجياع فى يناير 1977.وقبل انتهاء الندوة أوجزت الأفكار المحورية للندوة فى عبارة واحدة: لا يستطيع أحد أن يفلت من الفساد.
وتأسيساً على هذه النتيجة عقدتُ ندوة أخرى فى 13 فبراير 1985 دعوت إليها نفراً من مفكرين مصريين تحت عنوان «الدين والاقتصاد». وسبب اختيارى لهذا العنوان مردود إلى افتتاحية حررتها لــ «ملحق الفلسفة والعلم» بمجلة الطليعة فى ديسمبر من عام 1974 تحت عنوان «التتارية والفكر المستورد» جاء فيها أن ثمة ظاهرة طافية على سطح المجتمع المصرى على التخصيص والمجتمع العربى على الاطلاق وهى ظاهرة ثنائية البُعد: بُعد اقتصادى وبُعد ايديولوجى. البُعد الاقتصادى يتمثل فى بزوغ ما أطلقتُ عليه مصطلح «الرأسمالية الطفيلية» ومن دلائلها تجار الخلسة فى سوق الاستهلاك والذين أغرقوا الأمة بسلع الترف المستوردة. أما البُعد الايديولوجى فيدور على حظر ما أُطلق عليه فى حينه «الفكر المستورد» بدعوى الحفاظ على القيم والتقاليد وما ورثناه من الأقدمين. ومحصلة البُعدين تتارية بالضرورة. وأقصد بها ما هو مأثور عن التتار أنهم ـ بقيادة خنكزخان ـ التزموا أمراً واحداً هو تدمير حضارة الانسان. ولكل بُعد اقتصادى بُعد ايديولوجى يواكبه فى تلاحم عضوى. وتطبيق هذه القاعدة يلزم منه مواكبة التتارية للرأسمالية الطفيلية بحكم السمة المشتركة وهى شهوة اقتلاع الحضارة من جذورها. هذا عن الفساد فماذا عن الارهاب؟ الرأى عندى أن الإرهاب هو أعلى مراحل الأصولية الدينية. لماذا؟ لأن هذه الأصولية بحكم تعريفى لها هى التفكير فى النسبى بما هو مطلق وليس بما هو نسبى. ومعنى هذا التعريف أن هذه الأصولية تتوهم قنص المطلق، ومن ثم فإنها لا تسمح ببزوغ أى مطلق آخر يكون منافساً لها، وبالتالى فإنها تعمل على تدميره. والتدمير هنا يتسم بأنه ارهابى بمعنى أنه يكفره فى البداية ثم يقتله فى النهاية ممثلاً فى معتنقيه. وقد عبَر بدقة عن هذا الرأى منظَر الثورة الايرانية الأصولية على شريعاتى فى كتابه المعنون «عن سوسيولوجيا الاسلام» (1979) عندما قال إن حرب دين ضد دين هو الثابت فى تاريخ البشرية، وإن شئنا الدقة قلنا إنها حرب المشركين ضد حرب التوحيد، وأن الاستشهاد هو المبدأ الذى يدفع المسلم إلى الحرب بلا تردد. وفى هذا المعنى فإن الموت لا يختار الشهيد إنما الشهيد هو الذى يختار الموت على حد تعبير شريعاتى.
وفى عام 1983 فاتحنى الفيلسوف الأمريكى جون سومرفيل فى رغبته فى تأسيس جمعية فلسفية دولية لمنع نشوب حرب نووية بين الكتلتين الشيوعية والرأسمالية فوافقت بلا تردد. وفى 1/5/ 1986 عقدنا المؤتمر الأول الدولى فى سانت لويس بأمريكا تحت عنوان «الفلاسفة الدوليون لمنع الانتحار النووى البشرى». والمقصود بهذا المصطلح قتل بعض البشر لكل البشر. وفى هذا المؤتمر قلت إن الأصولية الاسلامية ستقضى أولاً على الاتحاد السوفيتى ثم تقضى بعد ذلك على الولايات المتحدة الأمريكية من أجل تأسيس الخلافة الاسلامية على كوكب الأرض. إلا أن فكرتى لم تلق أى قبول من فلاسفة الكتلتين بدعوى أننى متشائم، وأن المسار الحضارى بحكم أنه مسار عقلانى فإنه لن يسمح بهذه النهاية. والمفارقة بعد ذلك أن سور برلين انهار فى عام 1989 ، ثم انهارت الكتلة الشيوعية فى عام 1991.
وفى عام 1993 كشفت مجلة «الاكسبرس» الفرنسية عن وجود علاقات سرية بين وكالة المخابرات المركزية الأمريكية والجماعات الأصولية الاسلامية ابتداء من الحرب الأفغانية ضد السوفيت. وقد كان الفضل فى تأسيس هذه العلاقة إلى جيمى كارتر رئيس أمريكا عندما أصدر فى يناير 1979 قراراً بتدعيم طالبان بالأسلحة وبتمويل هذه الأسلحة من تجارة المخدرات. وقد تبنت باكستان تنفيذ هذا القرار، إذ كانت الطائرات الباكستانية تذهب إلى طالبان محملة بالأسلحة وتعود محملة بأطنان من الهيروين لبيعها للشعب الباكستانى فى مقابل شراء أسلحة. ومن هنا أدمن ما يقرب من مليونين ونصف المليون.
وفى 11/9/ 2001 دمرت الأصولية الاسلامية مركز التجارة العالمى بنيويورك والذى يمثل أعلى مراحل الثورة العلمية والتكنولوجية. وكان هذا التدمير الجزئى بداية لتدمير أمريكا برمتها. إلا أن البداية بدأت فى مصر عندما استولت جماعة الاخوان المسلمين على الحكم فى مصر فى عام 2012. ومعنى ذلك أن تدمير أمريكا يبدأ بتدمير مصر. إلا أن ثورة 30 يونيو التى قام بها الشعب بمؤازرة الجيش والشرطة ودعوة المشير عبد الفتاح السيسى إلى تسلم السلطة. قد أسهمت هذه الثورة فى إزاحة الثلاثى المدمر: أوباما وهيلارى وهوما وتنصيب دونالد ترامب رئيساً لأمريكا فى يناير من هذا العام.
وهذا هو مغزى قول الرئيس عبد الفتاح السيسى بمحاربة الارهاب والفساد، ولا فصل بينهما لأنهما متداخلان.