أبو الفتوح قلقيلة
دموع هؤلاء أغلى بكثير من دموع الحضرى
وصلتنى رسالة من المواطن عبد العزيز محمود، الموظف بإحدى الجهات الحكومية يقول فيها:
بعد قراءة مقالكم (بذمتكم.. أنتم عندكم دم!) الذي يعبر-في رأيي- عما يجول في صدور الأغلبية من معدومي الدخل أو (محدودي الدخل حسب كلام المسئولين في مصر، حزنت على حالي وبالطبع هناك ملايين مثلي، وأصابني مرض محدودي الدخل من المصريين ألا وهو (حرق الدم) لأنه بالنسبة لي:
أنا موظف ولدي 5 أولاد منهم واحد في الثانوية العامة خارب بيتي في الدروس، وليس معي بطاقة تموين أو حتى بطاقة خبز لأن راتبي اللي هو (1975 جنيها) تجاوز الحد المسموح به لاستخراج بطاقة تموين أو بطاقة خبز وهو (1500 جنيه)! ولم أستطيع حتى الآن استخراج أي بطاقة منهما مع أني قاربت سن الـ58 سنة ولم يتبق لي-إن شاء الله- سوى سنتين للإحالة إلى المعاش- أنا لا أطلب شيئًا سوى بطاقة تموين وخبز- هل هذا يعتبر من المحرمات عندما يبلغ راتبك 1975 جنيهًا؟!.... الله يتولانا برحمته".
كان تلك نص رسالة القارئ العزيز، الذي لا أعرفه شخصيا، ولكننا نعرف جميعا أمثاله وهم بالملايين من الشرفاء من فقراء الوطن الذين يخدمونه في كل مجال سواء كان بالتعليم أو الصحة أو الخدمة العامة.. نشرتها كما وردت في بريدى الإلكترونى فضلا عن أن الرجل نشر مثلها تقريبا على موقع فيتو في خانة التعليقات.
وللأسف أمثال هؤلاء لا يشعر بهم أحد نهائيا من السادة المسئولين الذين انتفضوا لتشجيع منتخب مصر الكروى في مباراة الكاميرون والتي أقيمت أمس الأول.. للأسف خسرنا المباراة وخسرنا البطولة ولكننا قبل ذلك خسرنا أنفسنا عندما تركنا أمثال هؤلاء الشرفاء المحترمين يكابدون شظف العيش دون أدنى إحساس بالمسئولية والواجب تجاههم أو حتى تشجيعهم كما شجعنا المنتخب عامة وقائده السيد عصام الحضرى خاصة!
هؤلاء إن بكوا لا يسمعهم أحد ولن يسمعهم بالقطع لأنهم متوارون خلف غياهب الفقر والفاقة والعوز، أما بكاء السيد عصام الحضرى فتفرد له صفحات من المواقع الإلكترونية وترسل له الهدايا ويهاتفه كبارنا ومسئولونا العظام، بينما من هو أولى بالتواصل معه بدون دعاية أو بروباجندا فارغة هم أمثال الأستاذ عبد العزيز الذي لم يناهز راتبه الشهرى ألفي جنيه في وقت وصل فيه كيلو اللحم لـ 130 جنيها ويزيد، أي أن راتبه الشهرى لا يضاهى قليلا من كيلوجرامات من اللحوم في زمن توحشت فيه أسعار كل شىء عدا الإنسان الضعيف الذي ضاع مع إغراق الجنيه وتخلت الحكومة عن واجباتها تجاهه!
نحن حقا فقراء جدا جدا كما قال السيد الرئيس منذ أيام خلت، لكننا فقراء بالمزاج، فقراء على أمثال هؤلاء، أما على السادة الوزراء الذين يحصلون على ألوف من الجنيهات مقابل كل اجتماع وزارى فلسنا فقراء بل أغنياء جدا جدا، نحن أغنياء لدرجة الرفاهية بل والاستفزاز عندما نريد حماية رئيس مجلس النواب ووكيليه فنوفر لهم سيارات مصفحة يكفى ثمنها لإصدار آلاف من بطاقات التموين الشهرية لأسر تعيش على الكفاف، لكننا نبخل على هؤلاء لأنه لا صوت لهم ولا يوجد من يتحدث عنهم في إعلام علب الليل التافه الموجه..
المسألة ليست مجرد الحديث عن معاناة فرد مصرى له حق المواطنة فقط، لكنها عن هذا الميزان المختل الذي يهزم حياتنا ويحبطنا ويدفع بالكثير منا نحو ضيق لم يعرفه الشعب من قبل، فحق علينا أن نسهم في توجيه هذا الميزان المائل نحو القسط والعدل حتى ولو بكلماتنا البسيطة علها تصل للسادة المسئولين المشغولين بكرة القدم التي لن تغنى فقيرا ولن تشبع جائعا.. فدموع وحزن وبكاء أحد الفقراء أهم بكثير من دموع الكابتن عصام الحضرى ومن يشجعه مع كامل الاحترام لهم ولما يبكون من أجله.