د . جمال المنشاوى
فقر مصر بين السيسي.. وأحمد فؤاد نجم!؟
(والبقره حلوب تحلب قنطار لكن مسلوب من أهل الدار والبقره تنادي وتقول ياولادي وولاد الشوم رايحين في النوم) كان هذا أفضل تعبير لوضع مصر, جسده العبقري أحمد فؤاد نجم في رائعته (بقرة حاحا), عندما شبه مصر ببقره حلوب تنتج لبناً كثيرا لكن هذا اللبن مسلوب من أبنائها وغيرهم من أهل الفساد الضارب في جذور المؤسسات والهيئات, والذي لا يجد المخلصون في محاربته حيلة ولا يهتدون سبيلا, ولذا عندما وقف السيسي ليقول لأحد الشباب (ماحدش قالك إن بلدك فقيرة أوي أوي, لأ بلدكم فقيرة أوي أوي), وقعت الكلمة كالصاعقة علي رؤوس المستمعين والمخلصين والخبراء العالمين بما تملكه مصر من موارد وإمكانيات وطاقات لو استغلت استغلالاً صحيحاً لكانت مصر من أغني دول العالم, والعجيب أن السيسي الذي يقول هذا هو نفسه السيسي الذي وعد المصريين في بداية حكمه بأنهم سيرون مصر (أد الدنيا), ثم بعد فتره تنازل عن هذا الرأي وشبه مصر بـ(شِبه دوله), ثم بـ(دولة ضائعة), وكأن الناس انتخبوه لكي يقف معهم علي تشخيص حال البلاد دون البحث عن حلول, بل وتحميله الشعب المسئولية عن تدهور أحوال البلاد, ناسياً وضارباً عرض الحائط بمقولة أن الناس علي دين ملوكهم وأن السمكة تفسد من رأسها, وفساد الرأس أو الحاكم قد لا يكون دائماً بالسرقة أو النهب أو الاختلاس, بل يكون في الأغلب بسوء الإدارة والاختيارات, والاعتماد علي أهل الثقة والمحاسيب الذين لا يملكون كفاءة المنصب, وترك أهل الخبرة المتخصصين لأنهم ليسوا علي الهوى أو لهم أراء معارضة. وتعالوا نضرب أمثله بسيطة، اختار عبد الناصر صديقه عبد الحكيم عامر لقيادة الجيش المصري ورقاه لرتبة المشير, والرجل كان لا يملك الخبرة الكافية أو الانضباط العسكري ليقود جيشاً بحجم الجيش المصري, فحدثت كارثة 67 التي أسموها نكسة, فضربت البلاد في مقتل, وأزهقت آلاف الأرواح من شباب مصر!, وأضاعت الأرض والعرض, وجاء السادات فقرّب المؤيدين له, وفتح الأبواب لطبقة من المنتفعين المشبوهين للتربح علي حساب الشعب حتى إنه أوصي أحد هؤلاء بالاهتمام بأحد المحافظات الساحلية وكان شريكاً لأخيه, وجاء مبارك ليتسع الخرق علي الراتق وتصبح البلاد سداح مداح لناهبي المال العام لدرجة إنشاء بنك خاص لهؤلاء الناهبين لتهريب الأموال للخارج دون رقابه من البنك المركزي, وقصص فسادهم تزكم الأنوف, وجاء مرسي فرأينا موظف بشركة اتصالات يصبح وزيراً, ومديراً لمدرسة يتولى تخطيط التعليم, وطبيباً مسئولاً عن العلاقات الخارجية وإهمال أهل الخبرة في كل مجال, وتولية المسئوليات لأفراد الجماعة, وليس كلهم بل أهل الثقة فيهم والأكثر طاعة لمكتب الإرشاد, وجاء السيسي ليحيط نفسه بزملائه العسكريين في دائرة ضيقة لا يمكن اختراقها من أهل الخبرة, وحتى من يستشيرهم فهم من فريق (حاضر يافندم,كلامك سليم يا فندم), ولذا رأينا مشروعات خيالية كلفت البلاد مليارات دون عائد مثل مشروع تفريعة قناة السويس الذي دفع فيه المصريون جل مدخراتهم والتي بلغت 63 مليار جنيه ستردها الدولة 109 مليار وهي التي تشتكي الفقر!, ومشروع العاصمة الإدارية الجديدة التي تتكلف المليارات, في مقابل تردي الخدمات الأساسية في كل المحافظات بل وتوقف الكثير من المصانع لحاجتها لأموال بسيطة لإعادة تشغيلها!, ومشروع استصلاح المليون ونصف فدان والذي ثبت أن المياه لن تكفيه, وكأننا لم نتعظ من مشروع (توشكي) لمبارك!, وهذا غيض من فيض, فالمراقبون لا يعلمون من هم مستشارو السيسي الحقيقيين الذين يشيرون عليه بهذه السياسات والقرارات الكارثية. مصر ليست فقيرة أبداً, مصر تمتلك ثلث آثار العالم , ولو كانت آثارها موجودة في دولة أوربية لاكتفت بها كمورد عن أي موارد أخري، لكن سوء الاستخدام وقلة الخدمات والوسائل المُريحة والجاذبة للسائح تقلل من الإستفادة منها, مصر بها مناخ لا يعادله مناخ من الإعتدال, ولو أُستغِل لصار قبلة لمن يبحثون عن الشمس خاصة في فصل الشتاء القارس في أوربا, مصر تشرف علي بحرين, أبيض وأحمر تربط بينهما قناة السويس ونهر من أكبر أنهار العالم, ومع هذا لا يتم استغلال شواطئهم طوال العالم بل تم بيع شواطئ البحر لمن يدفع!, وحتى صيد الأسماك من هذين البحرين والنيل لا توجد خطه للاستفادة لتغطية السوق المحلي والتصدير الخارجي, ومن المهازل أن أسطول الصيد المصري كان يصطاد الأسماك ثم يبيعها في قبرص واليونان لقرب شواطئها من أماكن الصيد! ,مصر بها قوة بشرية وامكانات إنسانية وكفاءات وظيفية تبرز في الخارج عندما تتوفر لها الظروف المناسبة وتساهم في إدخال العملة الصعبة للبلاد, لو أُحسن استغلالها بدلاً من معايرة المصريين بكثرة الإنجاب ليلقوا بفشلهم علي الناس, ولا ينظرون لتجربة الصين التي صارت ثاني أقوي اقتصاد في العالم بالرغم من ملياراتها البشرية, أشياء كثيرة لا يتسع المقام لذكرها لكننا نقول إن روشتة النجاح والقضاء علي الفقر في مصر يتمثل في اختيار الكفاءات في كل مجال, محاربة الفساد بصرامة وجدية وليس مظهرياً, كما حدث من محاكمة رئيس جهاز مكافحة الفساد لكشفه حجمه!, الشفافية والصراحة وليس كما يفعل البرلمان بفرضه السرية علي ميزانيته البالغة مليار جنيه سنويا تدرج كرقم واحد, ولا يراقبها أي جهاز رقابي, ويشترون السيارات بالملايين ,ويدعون الشعب للتقشف!, مصر ليست فقيرة, فقرها في عقول من يديرونها, ومن يسلبونها ويحلبونها كبقرة حاحا !