د. عبد الآخر حماد
ومن قال لكم إن الزواج الشفوي غير صحيح ؟
البيان الذي أصدرته هيئة كبار العلماء بالأزهر يوم الأحد 8 من جمادى الأولى 1438هـ الموافق 5 من فبراير 2017م، فيما يخص قضية وقوع الطلاق الشفوي ، والذي نص على : ( وقوع الطلاق الشفوي المستوفي أركانَه وشروطَه، والصادر من الزوج عن أهلية وإرادة واعية وبالألفاظ الشرعية الدالة على الطلاق، وهو ما استقرَّ عليه المسلمون منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم ،وحتى يوم الناس هذا، دون اشتراط إشهاد أو توثيق). أقول : هذا البيان كان من المفترض أن ينهي الجدل الدائر حول هذه القضية ، ويُسكِت أولئك المتساهلين في فتاوى الطلاق أو الراغبين في تغيير أحكام الله تعالى ، إلا أن الواضح أن هناك من لا يزال سادراً في غيه ، مصراً على باطله ،مخالفاً ما دلت عليه النصوص الشرعية وأجمع عليه أهل العلم في القديم والحديث . ومن ذلك ما نشرته صحيفة المصريون نقلاً عن صفحة من يلقبونه بالشيخ ميزو الذي راح يهاجم هيئة كبار العلماء، بعد بيانها المشار إليه ، واصفاً إياها بأبشع النعوت من قبيل أنها تتحدي الله ورسوله ،وتهجر كتاب الله، كما اتهم الإمام البخاري بالكذب علي الله ورسوله ، بل وصل به الأمر إلى اعتباره أن رأي هيئة كبار العلماء هو كفر بآيات الله من أجل حديث مكذوب أورده البخاري الفارسي بعد 250 عامًا من وفاة النبي ، على حد ادعائه. ومن البديهي أن مثل هذا الهراء لا يستحق الوقوف عنده ولا تضييع الوقت في الرد عليه ، لكن لفت نظري أنه يقول: ( ما دمتم لا تعترفون بالطلاق الشفوي فلماذا لا تقبلون بالزواج الشفوي غير الموثق أيضاً ) ، وهذه شبهة قد سبق أن تشبث بها الشيخ خالد الجندي لما أثار هذه القضية منذ حوالي عام أو أكثر ، وجواباً عليها أقول : ومن قال لكم إن الفقهاء لا يعترفون بالزواج غير الموثق ؟ إن أهل العلم جميعاً في القديم والحديث يقرون أيضاً بصحة الزواج غير الموثق إذا استوفى أركانه وشروطه الشرعية ، لأنه هكذا كان الزواج منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم ينعقد بالألفاظ الشرعية دون توثيق ، ولم يجرؤ عالم لا في القديم ولا في الحديث على أن يحكم بالبطلان على زواج لم يوثق ما دام قد استوفى شروطه وأركانه ، وإن كان العلماء في هذه العصور يرغبون في توثيق عقود الزواج لدى الجهات الرسمية حفظاً للحقوق الزوجية، وهو نفس ما ننادي به في شأن الطلاق من أجل الحفاظ على حقوق المطلَّقة وأولادها ،وهو ما رغب فيه بيان الهيئة المشار إليه ،فأي تناقض في هذا ؟ ولعلهم فهموا ذلك خطأ من نص القانون المصري على أن الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج لا تقبل إلا إذا كان العقد موثقاً ، ولكن فاتهم أن القانون يتحدث عن حالة الإنكار فقط ،فقد نص المرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931م على أنه : ( لا تقبل عند الإنكار الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج – في الوقائع اللاحقة على أول أغسطس سنة 1931 – ما لم يكن الزواج ثابتاً يوثيقة رسمية ) . وهذا معناه أن الكلام ليس في اعتقاد صحة الزواج من عدمه ، وإلا لما فرق القانون بين ما قبل سنة 1931وما بعدها ، وإنما هو شيء إجرائي يتعلق بإجراءات التقاضي لدى المحاكم ، فالمحكمة هنا لا تحكم ببطلان الزواج الذي لم يوثق ، ولكنها فقط لا تسمع الدعوى المبنية عليه، ثم إن سماع الدعاوى في حال عدم التوثيق بوثيقة رسمية قاصر -كما ذكرنا- على حالة الإنكار فقط ، أي حين ينكر الطرف المدعَى عليه وقوع الزواج ، أما إذا أقر الطرفان بوقوع الزواج دون أن يوثق فإن المحاكم مُلزمَة بقبول الدعاوى المرفوعة من أحد الطرفين ، بل إن هذا النص قد عُدل بالقانون رقم 1 لسنة 2000 ، وقد أضاف التعديل إلى النص السابق ما نصه : ( ومع ذلك تقبل دعوى التطليق أو الفسخ بحسب الأحوال دون غيرهما إذا كان الزواج ثابتاً بأية كتابة ...) أي أنه يمكن في الحالتين المشار إليهما الاعتداد بأي ورقة تثبت الزواج ولو لم تكن وثيقة رسمية ولو مع إنكار الطرف الآخر للزواج ، وهذا يدل على أن النص السابق لا يعني بطلان عقد الزواج في حالة عدم توثيقه . وأخيراً فإنا نتمنى على هؤلاء المتساهلين في الأحكام الشرعية المخالفين لما استقر عليه إجماع الفقهاء ، نتمنى عليهم ما تمناه بيان هيئة كبار العلماء من صرف جهودهم فيما ينفع الناس ويُسهم في حل مشكلاتهم ، بدلاً من السعي في تغيير أحكام قد استقرت وأجمع عليها العلماء سلفاً وخلفاً ،والله المستعان.