المصريون
جمال سلطان
درس أوربي تاريخي للإخوان والليبراليين المصريين (1/2)
في العاشر من أغسطس عام 2013 ، وقبل أربعة أيام فقط من المذبحة التاريخية المروعة وغير المسبوقة التي شهدتها مصر في ميدان رابعة العدوية بقلب القاهرة ، كان الشارع ما زال منقسما على حاله القديم قبل إطاحة نظام الرئيس محمد مرسي ، كتلة الإخوان ومعهم قطاع من الإسلاميين في خندق ، وكتلة القوى المدنية التي يتزعمها منظمات وأحزاب ليبرالية مدعومة بقوى اشتراكية وناصرية في خندق آخر ، ولم يكن قد وقع الصدام بين السلطات الجديدة المدعومة من الجيش وبين القوى المدنية أو الليبرالية ، وكان الخوف ما زال يفرض نفسه على المناخ السياسي في مصر ، خوف الإسلاميين والمراقبين الدوليين من مذبحة تبدو نذرها أقرب من أي وقت آخر وتتغير ساعة الصفر فيها بتسريبات إعلامية مختلفة ، وخوف القوى الليبرالية من عودة الإسلاميين إلى السلطة أو نجاحهم في كسر شوكة النظام الجديد بما يعني عودتهم مشحونين بمشاعر الثأر تجاه القوى المدنية ، هذا الانقسام الخطير والعصبي الذي بدا في تلك اللحظة لم يكن يتصور أحد أنه يعني نهاية حتمية لثورة يناير بكل تياراتها ، وأن النظام القديم يتأهب إلى العودة إلى السلطة في ثياب جديدة ، لكن محللين دوليين وخبراء كانوا يرون المشهد بصورة أوضح منا نحن في القاهرة ، وكان التاريخ هو الدرس الأهم الذي أنار لهم بصائرهم التي انطفأت عندنا ، لأننا لم نقرأ التاريخ ، حتى تاريخنا نحن القريب ، وبالتالي لم نتعلم ولم نفهم وخسرنا كل شيء . في ذلك اليوم ، العاشر من أغسطس 2013 ، نشرت صحيفة النيويورك تايمز الأمريكية مقالا تاريخيا لأستاذة العلوم السياسية "شيري بيرمان" ، أستاذة العلوم السياسية ، المتخرجة من جامعتي "هارفارد" و"ييل" الأكثر شهرة ومكانة ، شيري قدمت في مقالها "الافتتاحي" قراءة دقيقة لتجربة الثورة الفرنسية في أدوارها المختلفة وأسباب فشلها مرتين ، وأسباب تشظي قوى الثورة ، وكيف صنع خوف الليبراليين من القوى العمالية نزعة سياسية طاغية لدى الليبراليين للتحالف مع النظام القديم ، باعتباره أرحم من راديكالية العمال ، وتضيف الباحثة في مقاله الذي أعتبره تاريخيا في توقيته ودقته ، والذي وضعت له عنوان "درس ماركس للإخوان المسلمين" ، تقول : كتب كارل ماركس أن التاريخ يعيد نفسه: أولا كمأساة ، ثم كمهزلة. وقد قال ذلك بناء على ما حدث في ثورة 1848، عندما انهارت الانتفاضة الديمقراطية ضد النظام الملكي الفرنسية وآلت إلى الدكتاتورية النابليونية تماما كما كان مصير الثورة الفرنسية قبلها بستة عقود. في عام 1848، انضم العمال مع الليبراليين في ثورة ديمقراطية لقلب النظام الملكي الفرنسية. ولكن ، فتقريبا بمجرد انهيار النظام القديم تفككت المعارضة تماما حينما تنامت مخاوف الليبراليين مما اعتبروه مطالب "راديكالية" للطبقة العاملة. وبذلك تمكن المحافظون (الكاتبة تعني أنصار النظام القديم) من استمالة الليبراليين لإعادة تثبيت شكل جديد من الدكتاتورية. وهذه القصة تعيد نفسها في مصر اليوم: الليبراليون والسلطويون يلعبون نفس أدوارهم في القصة الفرنسية، والإسلاميون –في القصة المصرية- يلعبون دور الاشتراكيين في القصة الفرنسية. فمرة أخرى بالغت حركة جماهيرية قليلة الخبرة والصبر بعد الحصول على السلطة. ومرة أخرى فزع الليبراليون من التغييرات التي يريد شركاؤهم السابقون تحقيقها ، فعادوا زحفا إلى النظام القديم طلبا للحماية. وكما كان الحال في عام 1848، كان السلطويون سعداء لاستعادة السيطرة على مقاليد السلطة. وإذا استمر الجيش في مصر في حملته القمعية ، واستمر الليبراليون في تقديم الدعم له ، فإن هذا سيكون حجة في يد خلفاء ماركس المعاصرون لينادوا "أيها الإسلاميون في العالم ، اتحدوا!" بل قد يقولون "ليس لديك ما تخسره إلا الأغلال التي تكبلك." وللأسف ، سوف يكونون على حق. لا ينبغي أن يفاجئنا توسل الليبراليين المصريين للجيش لإطاحة الرئيس المنتخب وإنهاء التجربة الأولى في البلاد مع الديمقراطية بعد عامين فقط من تحالفهم مع الإسلاميين للإطاحة بنظام استبدادي سابق. ففي المراحل المبكرة من التطور السياسي لأي بلد ، لا يتفق الليبراليون والديمقراطيون في كثير من الأحيان على أي شيء آخر غير الرغبة في التخلص من النظام القديم. وللحديث بقية ....

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف