مؤمن الهباء
شهادة - إلي هدي عبدالناصر
للدكتورة هدي جمال عبدالناصر كل الاحترام والتقدير.. ومن منطلق الاحترام والتقدير نأخذ ما تطرحه من آراء علي سبيل الجد والتدقيق.. ونعطيه ما يستحق من اهتمام وتفكير.. لذلك أزعجني ما انتهت إليه الدكتورة هدي في مقالها المنشور بالأهرام يوم الجمعة 24 أبريل 2015 حيث قالت: "أري أننا نرتكب خطأ فادحاً إذا قررنا إعمار سيناء.. وأننا لابد أن نترك هذه الصحراء الاستراتيجية خالية مفتوحة لتعطي الفرصة لحرية الحركة والمناورة لوحدات الجيش المصري حتي يتمكن من صد أي هجوم من الشرق من جانب الصهاينة الذين لم يتخلوا حتي الآن عن عقيدتهم من النيل إلي الفرات.. حيث إنهم معتادون علي التخطيط للمدي الطويل وعلي مراحل.. أي أن إسرائيل هي وستظل إلي الأبد عدونا الأول في الحاضر والمستقبل.. ولا يجب أن ننسي أن أطماع الصهاينة في سيناء قديمة وكانت هناك دراسة لتوطين اليهود بها".
أزعجني هذا الكلام جداً يا دكتورة هدي.. وأزعجني أكثر أن يصدر منكم شخصياً.. وإني لأتواضع أمام علمكم ومقامكم معترفاً بأنني لم أقرأ مثل هذا الكلام من قبل.. خصوصاً إذا جاء من قامات وطنية مثلكم.. وقد قرأت "شخصية مصر" للرائع العظيم د.جمال حمدان ولم أجد لديه هذا الطرح الذي تطرحينه.. وتوقفت كثيراً أمام الاقتباسات التي جاءت في مقالكم من كتاب "شخصية مصر" وكلها تتحدث عن الأهمية الاستراتيجية العظمي لسيناء بالنسبة لمصر.. لكنها لم تشر من قريب أو بعيد إلي الاستنتاج الذي انتهيت إليه بأن "تترك سيناء خالية مفتوحة".
والرسالة التي وصلتني من العظيم جمال حمدان وهو يتحدث عن سيناء في "شخصية مصر" هي التقريع واللوم لأننا تركنا هذه البقعة من أرض الوطن لقمة سائغة للطامعين.. يتطلع إليها كل مغامر ــ صهيوني كان أو إرهابي ــ باعتبارها أرضاً بلا صاحب.. أو وطناً بلا شعب يسعي إليها شعب بلا وطن.
في سيناء مفاتيح مصر وأبوابها الشرقية وخطوطها الدفاعية الأولي والثانية.. ولكن من قال إن الأبواب تترك في العراء.. وأن من الأفضل ــ استراتيجيا ــ أن نترك خطوطنا الدفاعية مكشوفة؟!
في "شخصية مصر" يتحدث د.حمدان كثيراً عن نظرية القلب المعمور الذي تحميه وتحيط به الصحراء من كل جانب.. ثم يؤكد أن عصر الطيران والحروب الجوية قد غير المعادلة.. حيث صار من السهل أن تحارب وتخرب وتدمر أعداءك عن بعد بالطائرات والصواريخ الباليستية العابرة للقارات.. ومع ذلك فإن الحرب البرية هي الفيصل.. ومن يمكث علي الأرض ويتشبث بها هو الذي يحسم المعركة لصالحه.. ومن هنا كان علينا أن نعمر سيناء ونجعلها مستعصية علي أية قوات برية تحاول اجتياحها.. ونجعل هذا الاجتياح باهظ الثمن جداً.. وبالتالي لا يكون الطريق إلي القاهرة والدلتا ميسوراً.
لقد تركنا هذه الصحراء الاستراتيجية خالية مفتوحة قروناً طويلة بسبب عدم الوعي وعدم القدرة.. ولو استمر الوضع علي هذا الحال فسوف نتركها فريسة سهلة لقوات العدو يمتطيها دون مقاومة علي الأرض.. أما إذا زرعناها وعمرناها وملأناها بالناس وبالمصانع والبيوت فسوف تتحول إلي مقبرة لكل من يفكر في غزوها.. وبالاضافة إلي ذلك سوف نحل مشاكل التكدس وقلة الموارد في الوادي والدلتا.. ونعمق انتماء سيناء وأهلها للوطن الأم.
وعلينا في هذا الصدد ألا ننسي درسين مهمين: الأول أن إسرائيل عندما احتلت سيناء اتجهت علي الفور لتعميرها وزرعها بالمستوطنات والمستوطنين وهي سلطة محتلة وشككت في انتماء سيناء لمصر فهل يعقل أن نتركها نحن خالية؟!.. والثاني أن الإسرائيليين كانوا دائماً أصحاب الدعوة لإخلاء سيناء أو علي الأقل ترك جزء منها كمنطقة عازلة.. فهل يجوز لنا أن نفكر بنفس طريقتهم؟!
لذلك.. أري أن الصواب قد جانبكم حضرة الدكتورة العزيزة في هذا الصدد.. والحق أحق أن يتبع.