تستحق منطقة «الإسعاف» الواقعة في وسط مدينة القاهرة أن توصف بأنها أسوأ بقعة علي أرض مصر كلها، بل وربما من بين أسوأ المناطق علي سطح كوكب الأرض،
فهي الأكثر تلوثا وضجيجا وزحاما وفوضي بلا منازع، بل ويكفي أن تنطق اسم «إسعاف» لأي قائد سيارة لكي يصاب بالصدمة والفزع!
أتحدث عن المربع الذي يضم محطة مترو أنفاق جمال عبد الناصر وصيدلية الإسعاف وسنترال رمسيس ومعهد الموسيقي ومسرح الفن وشارع الجلاء أسفل كوبري أكتوبر حتي معهد الخدمة الاجتماعية ومستشفي الجلاء للولادة وشارع الصحافة، وتقاطع الجلاء مع 26 يوليو.
سلالم محطة مترو أنفاق جمال عبد الناصر تحولت إلي مقلب زبالة منذ إغلاقها لأسباب أمنية، ورصيف الشارع أعلي المحطة من جهة صيدلية الإسعاف عار تماما منذ سنوات بسبب قيام جهة مجهولة بخلع البلاط، والمكان معقل مفضل للباعة الجائلين والثابتين وبعض المتسولين و«المجاذيب» ومما يزيد الطين بلة أن تلك المنطقة بها أيضا موقف عشوائي لسيارات السرفيس، بكل ما تحمله كلمة «موقف سرفيس» من معان غير نبيلة!
والمنطقة الواقعة أسفل كوبري أكتوبر في شارع الجلاء منطقة تلوث سمعي وبيئي، تختلط فيها القمامة مع أصوات كلاكسات السيارات والأوتوبيسات والباعة الجائلين وملايين البشر الذين يعبرون الشارع كل ساعة، وبعضهم يجد المكان مناسبا لقضاء الحاجة، للأسف الشديد، مما يجعل المنطقة كلها ذات رائحة كريهة يعرفها جيدا كل من يستخدم هذا الشارع البائس يوميا.
والأسوأ من ذلك أن مرور السيارات بهذا الشارع من رابع المستحيلات، بسبب انتشار الباعة، وتوقف سيارات الميكروباص وركابها بصورة تعرقل سير السيارات والمشاة معا، وقائد السيارة في تلك المنطقة يتحرك حسب التساهيل، وبمعدل سنتيمتر واحد علي الأكثر في الساعة، والغريب أنك يمكن أن تجد وسط هذه الفوضي أحيانا بعض رجال المرور الذين يستعجلون قائدي السيارات للسير، رغم أن الطريق فعليا متوقف تماما!
أما شارع الصحافة من أطراف السبتية وحتي تقاطعه مع شارع الجلاء، فقد تحول إلي فندق مفتوح لعشرات الحمير من مختلف الأعمار والألوان، والتي تمارس، وبخاصة في الصباح الباكر، كل أنماط الحياة البرية من طعام ولهو وقضاء حاجة وعلاقات أسرية تحت سمع وبصر جميع المارة، وبات من المشاهد الكوميدية التي يمكن مشاهدتها في هذا الشارع، مشهد حمار غير مربوط يجري وحيدا بحرية كاملة في المنطقة بلا صاحب، ولا يجد من يوقفه، ولا من يسأله : من أنت؟ وأين صاحبك؟ ومن أين جئت؟!
وطبعا الحمد لله ألف مرة علي أن السياحة «مضروبة» في مصر منذ سنوات، لكي لا يصبح مشهد الحمير هذا هو أول ما يقابله السائح لدي خروجه من موقف الترجمان المطل أيضا علي هذه «الزريبة» المفتوحة.
وبجانب روائح العوادم والقاذورات وروث الحمير، والفوضي المرورية، والتلوث السمعي، يضيف مستشفي الجلاء للولادة مزيدا من الدراما إلي الصورة العامة لمنطقة الإسعاف، عبر زحام المرضي الشديد أمام المستشفي، ممن جاءوا بأطفالهم وأقاربهم وأصدقائهم، ومشاجراتهم المستمرة مع إدارة المستشفي، وأيضا عبر روائح المستلزمات الطبية المستعملة التي يمكن أن تشمها بسهولة من مسافات بعيدة، أضف إلي ذلك صوت سارينات سيارات الإسعاف التي لا تحمل مرضي غالبا، ولكنها تضفي علي سيمفونية الضوضاء بهذه المنطقة أصواتا أخري مزعجة تناسب النوتة الموسيقية الإجمالية للمكان، والتي تذكرنا بالنوتة الرديئة التي كان زالمايستروس فؤاد المهندس يعزفها «بالمقلوب» في أحد أفلامه القديمة!
والسؤال المهم هنا : هل يعقل أن تكون محافظة القاهرة التي صنعت زالمستحيلس في شوارع وسط البلد، وجعلت منها منطقة حضارية إلي حد كبير بعد سنوات فوضي يناير، هي نفسها المحافظة التي تتبعها منطقة الإسعاف «المنكوبة»؟!