الأهرام
د.أحمد سيد أحمد
تداعيات قرار ترامب «حظر السفر»
لم يكد الرئيس الأمريكى الجديد دونالد ترامب يتسلم رئاسته حتى بادر بتطبيق إصدار العديد من الأوامر التنفيذية ومنها حظر سفر مواطنى 7 دول إسلامية ومنع دخولهم الولايات المتحدة
وهو ما أثار جدلا واسعا داخل أمريكا وخارجها عكسته المظاهرات الاحتجاجية الحاشدة فى عدد من المدن الأمريكية والعالمية, واندلاع مواجهة قانونية بين إدارة ترامب والقضاء أسفرت عن تعليق محكمة فيدرالية بسياتل بولاية واشنطن قراره مؤقتا ورفض الاستئناف المقدم من وزارة العدل عليه. وقد حمل قرار ترامب العديد من الدلالات والتداعيات الخطيرة:

أولاها: رغم أن قرار ترامب بحظر السفر جاء ترجمة فورية لوعوده الانتخابية وانطلق من اعتبارات تتعلق بحماية الأمن القومى الأمريكى من التهديدات الإرهابية المحتملة التى قد يشكلها اللاجئون من مواطنى الدول السبع ورعاياهم, وهو ما قد يلقى ترحيبا ودعما من قطاع مهم من الشعب الأمريكى, ورغم أنه يحظى بصلاحيات قانونية رئاسية لإصداره, فإنه لا يحظى بالمشروعية حيث يعد مخالفة صريحة للدستور الأمريكى الذى يحظر التمييز بين الأفراد على أساس العرق أو اللغة أو الدين, حيث حمل القانون تمييزا واضحا وانتقائيا ضد مواطنى عدد من الدول على أساس الدين الإسلامى, كما أنه لا يحظى بالشرعية حيث يتعارض مع القيم الأمريكية فى الحرية والحقوق بين كل أبناء المجتمع الذى قام بشكل أساسى على أساس المهاجرين وصهرهم جميعا فى بوتقة واحدة, وهو ما جعل قطاعا كبيرا من الشعب الأمريكى ينتفض رفضا لتلك السياسة.

ثانيتها: يحمل القرار طابع العقاب الجماعى ويضع جميع رعايا الدول السبع، وهى اليمن وسوريا والعراق والصومال والسودان وإيران وليبيا, فى سلة واحدة ويعتبرهم إرهابيين محتملين يمكن أن يهددوا أمن الولايات المتحدة, وهو ما يحمل طابعا عنصريا وتمييزا ولا يمكن أن يحقق أهدافه, فإذا كان من حق إدارة ترامب حماية الأمن القومى الأمريكى فعلا, فيكون من خلال اتخاذ إجراءات أمنية وتدقيقية تمكن من الفرز بين من يقومون بأعمال إرهابية وهم قلة, وبين الأغلبية الساحقة من مواطنى هذه الدول التى تريد العيش في سلام والهجرة إلى الولايات المتحدة بحثا عن حياة أفضل, خاصة أن الأجهزة الأمنية الأمريكية لديها من الإمكانات الاستخباراتية والمعلوماتية التى تمكنها من غربلة الداخلين للأراضى الأمريكية واكتشاف من يشكلون خطورة من المسلمين الذين يحظون بالجنسية أو الإقامة الدائمة دونما تصنيف كل المسلمين الموجودين فى أمريكا كإرهابيين, خاصة أن المسلمين الأمريكيين يمارسون دورا فاعلا وإيجابيا فى النهضة الأمريكية.

ثالثتها: يعكس القرار سياسة ترامب فى تأجيج نار الصراع بين الحضارات والمواجهة بين الإسلام والغرب, ويخلط بشكل واضح بين الغالبية الساحقة من المسلمين التى تعتنق الإسلام الوسطى المعتدل, وبين أقلية ضئيلة من التنظيمات والحركات الإسلامية المتطرفة التى لا يتجاوز عددها عشرات الآلاف من بين مليار وستمائة مليون مسلم, ويتخذون الدين كمظلة لتحقيق أهدافهم السياسية ومبررا لأعمالهم الإرهابية والتى اكتوى بها العالمان الإسلامى والعربى أكثر مما اكتوت به الدول الغربية والولايات المتحدة ذاتها. وبعد أن كانت الإدارات الأمريكية السابقة تتسم بالرشادة والحكمة فى التمييز بين الاثنين, افتقدت إدارة ترامب لهذه الحكمة بشكل غريب ومثير انعكس فى قناعاتها وتصريحات أعضائها ومنها وصف مايكل فيلين مستشار الأمن القومى الإسلام بأنه أيديولوجية سياسية قائمة على الدين وهو ما يحمل مخاطر كبيرة وعواقب وخيمة ليست فى مصلحة الغرب والعالم الإسلامى فى ظل تصاعد اليمين المتطرف والشعبوية الجديدة فى أوروبا والولايات المتحدة, وتبث روح الكراهية والانتقام ضد المهاجرين واللاجئين, كما حدث فى الهجوم على مساجد ومراكز إسلامية بتكساس وكيبيك وغيرها, وهو ما يعطى الفرصة للتنظيمات الإرهابية ذاتها لشرعنة إرهابها واستقطاب المزيد من الأفراد تحت دعاوى نصرة الإسلام.

رابعتها: مواجهة إدارة ترامب للإرهاب لا تكون بسياسة منع اللاجئين أو ترحيلهم وسياسة العقاب الجماعى, وإنما من خلال بحث وعلاج حقيقى للأسباب التى أدت لتصاعد الظاهرة فى العالم ودفعت باللاجئين لترك أوطانهم هروبا من نار الصراعات وآلة القتل المستعرة فى الشرق الأوسط فى العديد من دوله نتيجة لاستمرار أزماتها وحروبها الأهلية التى ظلت سنوات في حالة من اللاحسم نتيجة لسياسات الدول الغربية والولايات المتحدة ذاتها فى عدم ممارسة سياسة إيجابية فاعلة فى تسوية تلك الصراعات والأزمات, بل إن تضارب مصالح الدول الكبرى قد أسهم في تعقيدها وعدم تسويتها حتى الآن, كما هو الحال فى سوريا والعراق واليمن وليبيا وجعلها مفرخة لتصدير العنف واللاجئين.

خامستها: القرار يعد مؤشرا سلبيا لنوعية توجهات سياسة إدارة ترامب الخارجية والتى تنبئ بمشكلات كبيرة, وتضعه فى مواجهة مبكرة مع المؤسسات الأمريكية التى تسعى لترويضه وتهذيب شعبويته, خاصة مؤسسة القضاء بعد إصدار أحكامها بوقف تنفيذ القرار مؤقتا والانتصار للقيم الأمريكية, ولذا فإن إصرار إدارة ترامب على تنفيذ قرار حظر السفر لا يضعه فقط فى مواجهة دولية وداخلية بل يمثل خروجا وانتكاسة للديمقراطية الأمريكية.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف