الأهرام
عبد الفتاح الجبالى
التهرب الضريبى وسبل العلاج
تعتبر الإيرادات الضريبية من أهم العوامل المؤثرة على القدرات الاقتصادية للدولة، وذلك لما لها من تأثير واسع النطاق على أداء كل القطاعات الفاعلة فى المجتمع.
فبالإضافة إلى تأثيرها على مسار الاستثمار القومى بشقيه المحلى والأجنبي، فإنها تمثل عاملا أساسيا فى تحديد قدرة الدولة على إدارة النشاط الاقتصادى وتحقيق الأهداف التنموية للبلاد. حيث توفر موارد مالية للدولة تستطيع استخدامها فى القيام بأدوارها المنوطة بها عبر الإنفاق العام.

من هنا تأتى أهمية الحديث الدائر الآن حول التهرب الضريبى وحجمه، حيث قدره البعض بنحو 400 مليار جنيه وفقا لما جاء على لسان المسئول الأول عن هذا الملف فى وزارة المالية وبعض الخبراء،

وهنا تجدر الإشارة الى أن الرقم المشار إليه آنفا يعود إلى خلط هؤلاء بين الفقد الضريبى والتهرب، فالأول يشير إلى انخفاض مساهمة الضرائب فى الاقتصاد القومى والضعف الشديد فى الطاقة الضريبة والذى يقاس بنسبة المتحصلات الضريبة إلى الناتج المحلى الإجمالي، أما التهرب الضريبى tax evasion فهو مخالفة القانون ويتمثل ذلك فى عدم التقدم بالإقرار الضريبى من الأساس رغبة فى إخفاء النشاط وهو يعتبر جريمة فى حق المجتمع يجب محاربتها بقوة. وهو ما يختلف بدوره عن تجنب الضريبة tax avoidance، والذى يتم وفقا للقانون.

وبعبارة أخرى فإن العوامل المؤثرة فى أى منهم يختلف عن الآخر، وبالتالى تختلف سبل العلاج أيضا. ويمكننا إعزاء التهرب الضريبى إلى عدة عوامل يرجع بعضها إلى مصلحة الضرائب ذاتها، والبعض الآخر إلى الممول. ففيما يتعلق بالمصلحة فإن غموض القوانين الضريبية وتعقدها أدى إلى تأخر المأموريات فى فحص الملفات الخاصة بالممولين لمدة طويلة وهو ما يترتب عليه تأخير مستحقات المصلحة، ومن ثم تعرضها للسقوط بالتقادم من جهة، أو تراكم هذه المستحقات على الملتزمين بالسداد من جهة أخري. ومن ناحية أخرى تعانى الإدارة الضريبية الكثير من أوجه الخلل والتعقيدات والافتقار إلى المرونة، هذا فضلا عن ضآلة العقوبة الأمر الذى يؤدى إلى زيادة معدلات التهرب، وضعف معدلات التحصيل، وزيادة حجم المتأخرات الضريبية التى (تقدر بنحو 99.8 مليار فى نهاية يونيو 2016 منها نحو 68.2% لدى القطاع الخاص).

بينما تنصب العوامل المؤدية إلى التجنب الضريبى فى ضعف الوعى بالمجتمع بشكل عام، سواء كان ذلك بسبب سيادة أنماط من القيم لدى الممولين ترى فى الضريبة عبئا لا مبرر له أساسا، فهى لا تخرج عن كونها مجرد جباية مالية من الدولة. فإذا ما أضفنا لذلك الإعفاءات الضريبية الواردة فى بعض القوانين والتى مازالت سارية رغم إلغاء بعضها الأمر الذى كان يؤدى إلى فقدان جزء لا بأس به من الحصيلة، كان يمكن توجيهه إلى الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية المختلفة.

أما الفقد الضريبى فهو الفرق بين الطاقة الضريبة الممكنة والطاقة الفعلية ويعبر عن قدرة الدولة على فرض ضرائب جديدة دون إحداث آثار اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية سلبية ولايمكن تحملها، وتتوقف هذه المسألة على عدة عناصر أساسية (هى مستوى النمو الاقتصادى للدولة. ونمط توزيع الدخول فى المجتمع. والتوزيع القطاعى للدخل القومي. وإنتاجية الإنفاق العام. فضلا عن القدرة الإدارية للأجهزة الحكومية على تحصيل الضرائب). وبالتالى فإن البحث عن الطاقة الضريبة الممكنة يجب أن يتم وفقا للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية السائدة، بحيث يتمكن المجتمع من تحقيق إيرادات ضريبية أكثر دون التأثير على معدلات النمو الاقتصادى ومعدلات الاستثمار وبعبارة اخرى يجب ألا ترتفع معدلات الضرائب إلى آفاق عليا أكثر من اللازم تؤثر على حوافز الانتاج والادخار والاستثمار والطاقات الإنتاجية وتساعد على التهرب الضريبى أو تفرض أعباء ادارية باهظة، حتى لا يكون الأثر النهائى لهذه العملية بالسلب من منظور الاقتصاد القومي.

وهذا الرقم مرتفع للغاية فى مصر إذ تشير الاحصاءات إلى تراجع نسبة الإيرادات الضريبية من الناتج رغم الزيادة النسبية فى الارقام المطلقة والتى ارتفعت من 207.4 مليار جنيه عام 2011/2012 الى 352.3 مليار عام 2015/2016 إلا أن نسبتها إلى الناتج قد انخفضت من 14.3% الى 12.7% خلال نفس الفترة. واصبحت الايرادات الضريبية لا تكفى لسداد اقل من نصف المصروفات العامة للدولة.

مع ملاحظة أن متوسط هذه النسبة يصل إلى 20.5% بالنسبة لجميع البلدان وترتفع الى 35.4% لدى دول الدخل المرتفع وتنخفض إلى 20.7% لدى بلدان الشريحة العليا من فئة الدخل المتوسط ونحو 18% لدى بلدان الشريحة العليا من فئة الدخل المتوسط،والتى تقع من ضمنها مصر.

ويرجع السبب فى ذلك إلى محدودية المجتمع الضريبى المصرى إذ مازال هناك العديد من الأنشطة والقطاعات التى لاتخضع للنظام الضريبى يقع معظمها لدى أصحاب الدخول العليا وأصحاب الثروات بسبب مايتمتع به هؤلاء من نفوذ سياسى واجتماعى الأمر الذى يمكنهم من مقاومة اية تعديلات تشريعية تحاول ان تمس دخولهم، وخير دليل على ذلك الصخب الشديد والمستمر من جانب هؤلاء عند الحديث عن فرض ضرائب على المعاملات فى البورصة والارباح الرأسمالية الناجمة عنها.

على الجانب الآخر فإن الضريبة على المهن الحرة، والمفروضة على جميع المهن غير التجارية مثل المحاماة والطب والهندسة والصحافة وتأليف المصنفات العلمية والأدبية والمحاسبة والمراجعة والخبرة والتمثيل والإخراج وعروض الأزياء وغيرها، ورغم اتساع هذه المجموعة فإنها مازالت لاتشكل قيمة يمكن الاعتداد بها، حيث لم تحقق إلا 731 مليون جنيه فقط، وهو مبلغ ضئيل للغاية لا يتناسب بأى حال من الأحوال مع ما تقوم به هذه الفئات من نشاط داخل الاقتصاد القومى الأمر الذى يشير إلى ارتفاع التهرب من الضريبة.

وهكذا فبدلا من بذل المزيد من الجهود لتوسيع المجتمع الضريبى بحيث يشمل جميع أصحاب الدخول والأرباح، إلا ما يراه المشرع فى غير مصلحة الاقتصاد القومي، فإن التركيز ينصب على زيادة الأعباء على الممولين الفعليين، وكأننا نعاقب الملتزم بفرض المزيد من الضرائب بدلا من محاولة الوصول إلى الشرائح المجتمعية الأخري.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف