المصريون
رضا محمد طه
سحق الإنسان لإتمام البنيان
لا أدري ما هو السبب الحقيقي في إستمرار الإحساس بتدني قيمة الإنسان في نظر نفسه وفي نظر الآخرين لدي الكثير في مجتمعنا، هل يرجع ذلك للموروث نتيجة لما كان يعانيه الناس خاصة قبل إنفتاح السبعينات، من جهل وامية في ظل وجود الإستعمار فترة طويلة، الأمر الذي أوجد ذلك الشعور بالإضافة إلي الإخفاق في تحقيق الطموح الإنساني في حياة إنسانية كريمة، فأراد الناس تحقيقها في أبنائهم مما جعل جل إهتمامهم في النسل مهما كان الفقر أو الحالة الإجتماعية، فكانت النتيجة أو ما يسمي التغذية المرتدة هي زيادة في العدد مع تدني أكثر في القيمة، بالتوازي مع سوء إدارة تلك الموارد البشرية من قِبل الحكومات. الأمر كان أكثر سوءاً في القري والنجوع، للدرجة التي كان فيها بعض الفلاحين إذا ما مرضت الماشية عندهم أو نفقت، يظلوا في النواح والولولة والحزن الشديد، للدرجة التي كان بعضهم يتمني لو أنها-أي الماشية-لم تمت ويموت إحدي أبنائه بدلاً منها!!!. وما أكثر ما كنا نري البعض يقبل علي الهلاك من أجل حماية حيوان، أو أن تقوم مشاجرة قد تسفر عن قتلي من أجل دجاجة أو أي شيء تافه. سمعنا ونحن صغار عن حكاية كان الناس يتفكهون ويتعجبون منها في إحدي القري المجاورة لنا، فمنذ أن شطر الطريق السريع والسكة الحديد الأراضي الزراعية لبعض القري بحيث جعلت بعض الفلاحين يعبرون هم ومواشيهم الطريق السريع يومياً للذهاب لحقولهم ويعودون مع حلول المساء، مما يُعرضهم لمخاطر عديدة، في أحد الأيام وعند عودة احد هؤلاء الفلاحين راكباً حماره وساحباً وراءه باقي المواشي، صدمه القطار، فنجا بأعجوبة هو والمواشي ماعدا الحمار الذي مات في الحال، وعندما علمت زوجته، أخذت في الصياح والولولة هي وبعض جيرانها، وحينما عاد الزوج بدون الحمار إستمرت في الصياح ولوم زوجها بل تعنيفه علي موت الحمار، مما إضطره للمغامرة ووضع زوجته أمام إختيار بأغلي ما يملك وهو نفسه قائلاً لها "ياولية عايزاني أنا ولا الحمار؟"، ولأن خسارة الحمار جسيمة من وجهة نظر الزوجة، فهو يمثل المحرك لمعظم شئونِهم والذي أيضاً يجمل أثقالهم، فأجابته في الحال بأنها كانت تتمني لو أن الحمار مازال حياً!!!. منذ عقود طويلة إنتقل ذلك الموروث في تدني قيمة الإنسان لغالبية حكومات بلداننا، فكانت النتيجة الإهتمام بالبنيان وشراء الأسلحة والعتاد والمركبات، علي حساب تهميش وسحق وإذلال الإنسان وإهمال الضروريات المعيشية له من غذاء ودواء لصحتة وغياب ميزانية معقولة لتعليمه أوتثقيفه، بينما في المقابل إهتمت الدول المتقدمة بالإنسان وجعلته الحكومات هناك في مقدمة إهتماماتها، فأصبحنا نري الحرص علي المواطن التضحيات سواء بالمال أو التهديد بشن حروب أو دفع فدية بالملايين من أجل أحد مواطنيها أو فك أسره مهما كان الثمن حتي لو كانت الفدية ستذهب لمجموعات إرهابية أو غيرها، هذا بالإضافة طبعاً إلي الإهتمام بتقديم كافة الخدمات للمواطن في الداخل بصورة تجعله يضحي بأغلي ما يملك من أجل بلده ويشعر بالفخر بإنتماءه لبلده.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف