على هاشم
الساحرة المستديرة تجمع ما فرقته السياسة !
بينما ينشغل العالم بالتحولات الدراماتيكية المتوقعة مع ولاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وقراراته التي استهلها بتعليق الهجرة إلي بلاده من 7 دول عربية وإسلامية وهو القرار الذي أوقفته مؤقتًا محكمة سياتل بولاية واشنطن وطبقته في عموم الولايات الأمريكية.. وكذلك التصعيد الدائر الآن بين إدارة ترامب وإيران.. ينشغل عالمنا العربي والإسلامي بصراعات الداخل ومشاهد العنف والدم والخراب والدمار والانقسامات التي كادت تحرق الأخضر واليابس دون هوادة بفضل تلك الكيانات الإرهابية التي توحشت علي أراضيه واستهدفت نقض الدول وهدم الجيوش ولم يسأل أحد نفسه: لماذا دولنا بالذات هي المبتلاة بمثل هذا العبث.. ولماذا لا يجري الإعلان صراحة عن الدول وأجهزة المخابرات التي مولت داعش مثلاً. أو جبهة النصرة أوفلول القاعدة وغيرها من تنظيمات الإرهاب.. وما أهدافها من وراء ذلك التمويل.. وهل ينقلب السحر علي الساحر وتدور الدائرة علي الباغي في القريب العاجل.. أم يبقي ذلك حديثًا يدور وراء الأستار محجوبًا عن الرأي العام العالمي الذي آن له أن يعرف وأن يدين من أجرموا في حق الإنسانية ليلصقوا الاتهام بالعرب والمسلمين. ويشوهوا صورة الدين الحنيف البرئ تمامًا من داعش وأخواتها التي قدمت أوطاننا لقمة سائغة للآخر» كي يكيل لها الاتهامات ويشوهوا صورتها وتاريخها ودورها الحضاري الذي أخرج أوروبا يومًا من ظلمات العصور الوسطي إلي نور الحضارة الحديثة وإشراقات عصر النهضة.. وهل تدرك شعوبنا كم ارتكبت تنظيمات الإرهاب من جرائم قدمت العرب أرضهم وديارهم ومواردهم ومستقبلهم لقمة سائغة في أفواه الغرب وإسرائيل وقدمت الذريعة تلو الأخري لتقسيم الدول وتمزيق أواصر الشعوب بما استحدثته من تصنيفات ومسميات ما أنزل الله بها من سلطان.. فهذا إخواني.. وذاك سلفي.. هؤلاء سنة وأولئك شيعة أو أكراد أو تركمان أو علويون.. وتلاشت أواصر العروبة ومقومات المواطنة الجامعة للشمل. الرابطة لأواصر القربي والجذور والتاريخ المشترك.
في خضم هذا التداعي الهائل في بنيان النظام العربي منذ حرب الخليج الأولي واحتلال أمريكا لأرض الرافدين توالت نكسات العرب ونكباتهم حتي أصبح المشهد الآن مخزيًا» فالصراعات أصبحت عربية -عربية سواء داخل الدولة الواحدة بين مواطنيها بعضهم بعضًا.أو بين الدول بعضها بعضًا. سواء علي الدور والمكانة أو علي الحدود التي وضعها الاستعمار لتظل شوكة في خاصرة الأمة العربية ومانعًا من الاتحاد والتكامل.
وقد رأينا دولاً كانت ملء السمع والبصر ثم انهارت أعمدتها وانفرط عقدها وتفككت جيوشها ولم يبق إلا مصر حماها الله بفضل شعبها الواعي وجيشها الوطني المتماسك لكنها لم تسلم هي الأخري من مخططات الغدر والتآمر والخيانة من أعدائها في الداخل والخارج.. لكن ثمة رباط يجمع هذا الشعب منذ القدم.. رباطًا من الولاء والانتماء الفطري لهذا الوطن.. وقد تجسد ذلك في المتابعة الدءوبة للجماهير المصرية لمنتخبها الوطني الذي خاض منافسات بطولة الأمم الإفريقية حتي توج بلقب الوصيف بوصوله للمبارة النهائية للبطولة القارية وحصوله علي المركز الثاني بعدما أبلي لاعبوه بلاءً حسنًا. جعل الرئيس السيسي يستقبلهم في المطار تكريمًا لما بذلوه من جهد مشرف أسعد المصريين الذين لم يكن أفضل المتفائلين يتوقع تخطيهم دور المجموعات بعد غياب 6 سنوات عن تلك البطولة التي حصدت مصر سبعة من ألقابها. وهو الرقم الذي لم تحققه دولة أخري في أفريقيا.
الأمر الذي يجعلنا أمام سؤال كبير: لماذا نجحت الساحرة المستديرة فيما أخفقت فيه السياسة. حتي أن الأولي جمَّعت ما فرقته الأخيرة. فرغم ما شهدناه من فرقة وانقسام واستقطاب حاد بين المصريين بعد ثورة يناير 2011 فقد توحد الجميع خلف المنتخب الوطني. وعادت الفرحة مع كل فَوْز يحرزه لاعبونا بعد أن فارقتنا منذ 6 سنوات كاملة.. تُري: ما السبب ؟! أهي الإدارة الشفافة للعبة كرة القدم.. والاحتكام لقواعد عادلة ومعلنة تطبق علي الجميع بلا استثناء ولا مجاملة وفق قانون ينصاع له الجميع بلا تمييز.. فلا وساطة. ولا مؤامرة. ولا محسوبية. ولا استقطاب. ولا مصالح خاصة ولا ازدواجية معايير.. المدير الفني للفريق يختار لاعبيه وفقًا للكفاءة والخبرة وسابقة الأعمال والقدرة علي تحقيق المطلوب في المركز الذي يلعب فيه كل منهم.. ثم أليس المتنافسون في البطولات الكبري سواء في أفريقيا أو أروبا أو أمريكا اللاتينية أو كأس العالم.. هم ممثلي دول عظمي أو صغري. غنية أو فقيرة.. لماذا تغادر الدول الكبري تلك المنافسات في صمت ودون ضجة أو اعتراض. فأمريكا مثلاً تخسر أمام الأرجنتين.. والبرازيل وهي سيدة كرة القدم في العالم تخرج أمام فرنسا أو حتي غانا دون أن تنهار البطولة أو تفشل.. ما هي كلمة السر في نجاح كرة القدم.. أهي عدالة المعايير أم الاحتكام لقانون عادل ومنصف دون استثناء أو التفاف.؟! وهل غياب العدالة هو السر وراء إخفاق الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي في حل قضايا البشرية وتردي المنظومة الدولية وافتقادها المصداقية.. هل هو الفيتو» ذلك السيف المصلت علي رقاب الضعفاء. بينما يفلت منه المعتدون كما تفعل إسرائيل المحمية بالفيتو الأمريكي.. الأمر الذي يضرب سمعة النظام الدولي في مقتل. ويجعل هناك ضرورة قصوي لتغيير تلك المنظومة» إنقاذاً لما بقي من سمعة هذا النظام أسوة بما جري في خمسينيات القرن الماضي حينما زالت عصبة الأمم ونهضت علي أنقاضها الأمم المتحدة ومنظماتها الجديدة.. الأمر ذاته ينطبق علي الجامعة العربية التي ماتت إكلينيكيًا بغزو العراق للكويت ثم ضرب سوريا والعراق وليبيا.
في كرة القدم تنافس شريف تحكمه قواعد شفافة ملزمة للجميع رغم ما قد يشوبها من قصور في التحكيم أو حتي في أداء اللاعبين.. لكن هذا العوار استثناء طبيعي لكوننا بشرًا تحتمل أفعالنا الصواب والخطأ.. ومن ثم صارت كرة القدم صانع السعادة لشعوب الأرض كافة.. ولننظر إلي شعب مصر الذي فرقته أحداث ما بعد يناير.. وكيف استقبل انتصارات فريقه بالفرحة والتوحد.
تحولت كرة القدم إلي قبلة للاستثمارات تحقق عوائد ضخمة بمليارات الدولارات يعود نفعها علي اللاعبيين والأندية والاتحادات والشركات الراعية والدول المضيفة للبطولات.. وهو ما يجعلنا إزاء أسئلة عديدة: لماذا تفرض كرة القدم نفسها كمشروع قومي يلتف حوله الجميع. ولماذا لا تجري أمورنا بسلاسة كرة القدم وشفافيتها.. لماذا لا نختار الإدارة السليمة والفريق المعاون بنفس طريقة كرة القدم.. ولا نتحجج باعتذارات هنا وهناك أو عدم وجود مؤهلين لهذا المنصب أو ذاك رغم ما تزخر به مصر من كفاءات في جميع التخصصات.
غياب العدالة مرجعه إلي تغييب القانون. واتخاذه مطية لتحقيق الأغراض الخاصة يستوي في ذلك مجتمع الأفراد ومجتمع الدول.. وهذا سر تعاسة الإنسانية.. وفشلها في تحقيق قيم العدل والحق والجمال.. وتفشي ظواهر العنف والكراهية والتعصب والانتقام وسيادة منطق القوة الغاشمة. قانون القوة لا قوة القانون وثقافة الهبش والبلطجة واستغلال النفوذ وإقصاء الغير.. فكيف تتحكم 5 دول في مصائر العالم بقوة مجلس الأمن.. كيف تكون خصمًا وحكمًا في الوقت ذاته. وكيف يتحكم 5 أو حتي 15% في ثروات الشعوب ومصائرها.. وبدلاً من أن يكون مجلس الأمن هو ميزان الحق والعدالة والمساواة بين دول العالم نجده وسيلة لإدارة الصراعات وتكريس النفوذ وتصفية الحسابات ومنح امتيازات لدول هنا. والافتئات علي حقوق وسيادة دول هناك. الأمر الذي يطعن في مصداقية النظام العالمي برمته ويفقد الأمم المتحدة هيبتها.. فمن هو ذلك الرئيس أو الرؤساء الذين بإمكانهم جعل مجلس الأمن قوة دولية تسير بالقانون والمساواة دون أن يكون لأحد حق الفيتو وتعطيل حقوق الدول.. لماذا يتجاهل مجلس الأمن فضح الدول الممولة للإرهاب الساعية لتقسيم وتمزيق العالم العربي وفق أسس عرقية أو مذهبية تقود في النهاية إلي حروب أهلية تضيع بسببها دول وتتشرد أمم وشعوب. ولا يمكن استبعاد دول بعينيها من تنفيذ هذا المخطط المشبوه كقطر وتركيا وأمريكا أوباما التي سعت لتدمير دول عربية وإحداث الفوضي والخراب فيها. ولولا 30 يونيو لكانت مصر في عداد تلك الدول الممزقة..
إن استعادة النظا الدولي لهيبته ومصداقيته لن يمر إلا عبر إصلاح مجلس الأمن وتوسيع عضويته وكسر احتكار القوة لدول بعينها.. ولن تنصلح كذلك أحوال دولنا وشعوبنا إلا باستعادة قوتها الذاتية وتنميتها معرفيًا وعلميًا لوضعها علي طريق المنافسة وبناء القدرات التي تجعلها في مصاف الأقوياء.. ومن دون ذلك لا مقام لنا في النظام العالمي الجديد !!